693 - مسألة : ولا يجوز ولا بطرفة عين فإن فعل لم يجزه ، وعليه إعادتها ، ويرد إليه ما أخرج قبل وقته ; لأنه أعطاه بغير حق وصح تعجيل الزكاة قبل وقتها عن تعجيل الزكاة قبل تمام الحول ، سعيد بن جبير ، وعطاء ، وإبراهيم والضحاك ، والحكم ، والزهري وأجازه الحسن لثلاث سنين ، وقال : في تعجيل الزكاة قبل أن تحل : لا أدري ما هذا ، وقال ابن سيرين : وأصحابه بجواز تعجيل الزكاة قبل وقتها ؟ ثم لهم في ذلك تخليط كثير - : مثل قول أبو حنيفة : لا يجوز ذلك في مال عنده ، ولا في زرع قد زرعه ، ولا في نخل قد أطلعت . محمد بن الحسن
وقال يجوز ذلك ( كله ) قبل اطلاع النخل وقبل زرع الأرض ، ولو عجل زكاة ثلاث سنين أجزأه . وأكثر من هذا سنذكره - إن شاء الله تعالى - في ذكر تخاليط أقوالهم في كتاب الأعراب " و الله المستعان . أبو يوسف
قال : بتعجيل الزكاة عن مال عنده ، لا عن مال لم يكتسبه بعد [ ص: 212 ] وقال : إن استغنى المسكين مما أخذ مما عجله صاحب المال قبل الحول أجزأ صاحب المال ; فإن استغنى من غير ذلك لم يجزئ عن صاحب المال . الشافعي
وقال : يجزئ تعجيل الزكاة بشهرين أو نحو ذلك ، لا أكثر ، في رواية مالك ابن القاسم عنه - وأما رواية عنه فكما قلنا نحن ، وهذه ( كلها ) تقاسيم في غاية الفساد ، لا دليل على صحتها من قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب يصح ، ولا قياس . ابن وهب
وقول ، الليث : كقولنا . واحتج من أجاز تعجيلها بحجج - : منها : الخبر الذي ذكرناه في زكاة المواشي ، في هل تجزئ قيمة أم لا ؟ من { وأبي سليمان } ؟ وهذا لا دليل فيه على تعجيل الصدقة ، لأنه استسلاف كما ترى ، لا استعجال صدقة ; بل فيه دليل على أن تعجيلها لا يجوز ، إذ لو جاز لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستقراض ; بل كان يستعجل زكاة لحاجته إلى البكر ، وذكروا ما رويناه من طريق أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فقضاه من إبل الصدقة جملا رباعيا أبي داود : ثنا ثنا سعيد بن منصور إسماعيل بن زكرياء عن الحجاج بن دينار عن الحكم بن عيينة عن حجية عن { علي بن أبي طالب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فأذن له . العباس } أن
قال أبو داود روى هذا الحديث عن هشيم منصور عن عن زاذان الحكم عن الحسن عن عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 213 ] أنس
ومن طريق عن وكيع عن إسرائيل الحكم { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصدقا وقال له عن عمر : إنا قد استسلفنا زكاته لعام عام الأول العباس }
ومن طريق عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج يزيد أبو خالد قال " قال عمر : أد زكاة مالك فقال للعباس : قد أديتها قبل ذلك ، فذكر العباس ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق " . عمر
هذا كل ما شغبوا به من الآثار .
وقالوا : حقوق الأموال كلها جائز تعجيلها قبل أجلها ، قياسا على ديون الناس المؤجلة وحقوقهم ، كالنفقات وغيرها . وقالوا : إنما أخرت الزكاة إلى الحول فسحة على الناس فقط . وهذا كل ما موهوا به من النظر والقياس . [ ص: 214 ] وهذا كله لا حجة لهم في شيء منه .
أما حديث حجية : فحجية غير معروف بالعدالة ، ولا تقوم الحجة إلا برواية العدول المعروفين .
وأما حديث فلم يذكر هشيم أبو داود من بينه وبين ، ولو كان فيه لبند به ، فصار منقطعا ، ثم لم يذكر أيضا لفظ هشيم ولا كيف رواه ، فلم يجز القطع به على الجهالة ، وأما سائر الأخبار فمرسلة . وهذا مما ترك فيه المالكيون المرسل ، وهم يقولون - إذا وافق تقليدهم - : إنه كالمسند ، وردوا فيه رواية المجهول ، وهم يأخذون بها إذا وافقتهم فبطل كل ما موهوا به من الآثار . ؟ وأما قياسهم الزكاة على ديون الناس المؤجلة : فالقياس كله باطل ; ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ; لأن تعجيل ديون الناس المؤجلة قد وجب بعد ، ثم اتفقا على تأجيلها والزكاة لم تجب بعد ، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الأداء باطل . أنس
وأيضا : فتعجيل ديون الناس المؤجلة لا يجوز إلا برضا من الذي له الدين ، [ ص: 215 ] وليست الزكاة كذلك ; لأنها ليست لإنسان بعينه ، ولا لقوم بأعيانهم دون غيرهم ، فيجوز الرضا منهم بالتعجيل ، وإنما هي لأهل صفات تحدث فيمن لم يكن من أهلها ، وتبطل عمن كان من أهلها ، ولا خلاف في أن القابضين لها الآن - عند من أجاز تعجيلها - لو أبرءوا منها دون قبض لم يجز ذلك ، ولا برئ منها من تلزمه الزكاة بإبرائهم بخلاف إبراء من له دين مؤجل ، وكذلك إن دفعها إلى الساعي ، فقد يأتي وقت الزكاة والساعي ميت أو معزول ، والذي بعثه كذلك ، فبطل قياسهم ذلك على ديون الناس ، وكذلك قياسهم على النفقات الواجبة ، ولو أن امرأ عجل نفقة لامرأته أو من تلزمه نفقته ، ثم جاء الوقت الواجبة فيه النفقة ، والذي تجب له مضطر - : لم يجزئه تعجيل ما عجل ، وألزم الآن النفقة ، وأمر باتباعه بما عجل له دينا ، لاستهلاكه ما لم يجب له بعد ، بل لو كان القياس حقا لكان قياس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة قبل وقتها والصوم قبل وقته أصح ، لأنها كلها عبادات محدودة بأوقات لا يجوز تعديها وهذا مما تركوا فيه القياس .
فإن ادعوا إجماعا على المنع من تعجيل الصلاة أكذبهم الأثر الصحيح عن ابن عباس والحسن ، وهبك لو صح لهم الإجماع لكان هذا حجة عليهم ، لأن من أصلهم أن قياس ما اختلف فيه على ما أجمع عليه هو القياس الصحيح .
وأما قولهم : إن الزكاة وجبت قبل ، ثم فسح للناس في تأخيرها - : فكذب وباطل ودعوى بلا برهان ، وما وجبت الزكاة قط إلا عند انقضاء الحول ، لا قبل ذلك ، لصحة النص بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم المصدقين عند الحول ، لا قبل ذلك ، وما كان عليه السلام ليضيع قبض حق قد وجب ولإجماع الأمة على وجوبها عند الحول ولم يجمعوا على وجوبها قبله ، ولا تجب الفرائض إلا بنص أو إجماع ، فبطل كل ما موهوا به من أثر ونظر . [ ص: 216 ] ثم نسألهم : أوجبت الزكاة قبل الحول أم لم تجب فإن قالوا : لم تجب ؟ قلنا : فكيف تجيزون أداء ما لم يجب ؟ وما لم يجب فعله تطوع ، ومن تطوع فلم يؤد الواجب وإن قالوا : قد وجبت ؟ قلنا : فالواجب إجبار من وجب عليه حق على أدائه ، وهذا برهان لا محيد عنه أصلا ، ونسألهم : كيف الحال إن مات الذي عجل الصدقة قبل الحول ؟ أو تلف المال قبل الحول ؟ أو مات الذين أعطوها قبل الحول ؟ أو خرجوا عن الصفات التي بها تستحق الزكوات ؟ فصح أن تعجيلها باطل ، وإعطاء لمن لا يستحقها ، ومنع لمن يستحقها ، وإبطال الزكاة الواجبة ; وكل هذا لا يجوز . والعجب من إجازة الحنفيين تعجيل الزكاة ومنعهم من تعجيل الكفارة قبل الحنث وكلاهما مال معجل ، إلا أن النص قد يصح بتعجيل ما منعوا تعجيله ، ولم يأت بتعجيل ما أباحوا تعجيله ، فتناقضوا في القياس ، وصححوا الآثار الفاسدة ، وأبطلوا الأثر الصحيح ، وأما المالكيون فإنهم - مع ما تناقضوا - خالفوا في هذه الجمهور من العلماء ، وهما يعظمون هذا إذا وافقهم ، وخالف الشافعيون فيه القياس ، وقبلوا المرسل الذي يردونه - وبالله تعالى التوفيق .