ص ( والمرأة كالرجل إلا في بعيد مشي وركوب بحر إلا أن تخص بمكان )
ش : يعني أن حكم المرأة كحكم الرجل في جميع ما تقدم من وجوب الحج عليها مرة في العمر وسنية العمرة كذلك وفي فورية الحج وتراخيه وشروط صحته وشروط وجوبه وغير ذلك لدخولها في عموم - قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وقوله عليه السلام { } الحديث إلا أنها لضعفها وعجزها اعتبر الشرع في حقها شروطا أشار بني الإسلام على خمس المصنف إليها بقوله : إلا في بعيد مشي إلى آخره أي فلا يجب عليها الحج ماشية من المكان البعيد لخوف عجزها وليست كالرجل الذي يجب عليه المشي ولا يجب عليها أن تحج في البر لخوف الانكشاف بل يكره لها الخروج في الصورتين قاله في التوضيح ولم يبين المصنف حد القرب الذي يلزمها المشي منه وقال في التوضيح مثل مكة وما حولها ونصه المنقول عن في [ ص: 519 ] الموازية كراهة المشي لهن قال : لأنهن عورة في مشيهن إلا المكان القريب مثل مالك مكة وما حولها انتهى . ومثله في النوادر ناقلا له عن محمد عن ولفظه بعد أن ذكر حكم الرجال : وليس للنساء في المشي على ذلك وإن قوين لأنهن عورة في مشيهن إلا المكان القريب مثل أهل أصبغ مكة وما حولها وما قرب منها إذا أطقن المشي انتهى . وذكره في المقدمات وقال في آخره حكاه عن ابن المواز وقال أصبغ اللخمي مثل مكة من المدينة ونصه : قال في كتاب مالك محمد : لا أرى عليها مشيا وإن قويت عليه لأن مشيهن عورة إلا أن يكون المكان القريب مثل مكة من المدينة انتهى .
( قلت ) : والظاهر أنه يختلف باختلاف الأشخاص فنساء البادية لسن كنساء الحاضرة وفهم منه أنه إذا كان المكان قريبا وقوين على ذلك يرى عليهن المشي كما يفهم من كلام المصنف وليس في كلام الموازية لفظ الكراهة ولعل المصنف فهمها من قوله : لأن مشيهن عورة وإنما لم يكن حراما لأنا لم نتحقق فيه انكشاف العورة لكن الغالب عليهن الضعف والعجز فيئول بها الحال إلى التعب المؤدي إلى انكشاف العورة والله أعلم .
وما ذكره المصنف من عدم لزومها المشي من المكان البعيد هو المنصوص كما تقدم بيانه والقول بلزوم المشي لها ولو كان المكان بعيدا قال في التوضيح خرجه اللخمي من مسألة المشي من قول في المدونة في الحانث والحانثة : والمشي على الرجال والنساء سواء انتهى . قال في تبصرته : لأن الوفاء بحجة الفريضة آكد من النذر انتهى . قال في التوضيح : وقد يفرق بين ذلك بأنها لو كلفت بالمشي في الحج لزم منه عموم الفتنة والحرج بخلاف النذر فإنها صورة نادرة وقد ألزمت نفسها بيمينها ألا ترى أن الإنسان إذا لم يكن عنده إلا قوت يوم الفطر لا يلزمه إخراجه في زكاة الفطر ولو نذر إخراجه لزمه انتهى . مالك
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يجب عليها المشي من المكان البعيد ولو كانت متجالة وهو كذلك على إطلاق كلام المتقدم وقال في الإكمال : لا خلاف في وجوب الحج على المرأة كالرجل إذا استطاعت وأن حكمها حكمه في الاستطاعة على اختلاف العلماء فيها إلا أن الحج لا يلزمها إذا قدرت على المشي عندنا بخلاف الرجل لأن مشيها عورة إلا فيما قرب من مالك مكة انتهى . فظاهره أيضا الإطلاق وقال اللخمي بعد أن ذكر التخريج على قول في المدونة وذكر بعده كلام مالك في كتاب مالك محمد ما نصه : وهذا يحسن في المرأة الرائعة والجسيمة ومن ينظر لمثلها عند مشيها وأما المتجالة ومن لا يؤبه بها من النساء فيجب عليها كالرجل انتهى فيكون قوله هذا ثالثا وكذا جعله ابن عرفة فقال : وفي كون مشيها من بعد كالرجل أو عورة ثالثها إن كانت غير جسيمة ورائعة للخمي عن قوله فيها نذر المشي عليهما سواء ورواية محمد واللخمي ورد ابن محرز الأولين للثالث انتهى ، فيكون وفاقا وكذا قال البساطي : يحتمل الوفاق ثم قال ابن عرفة : قلت : أخذ اللخمي منها خلاف رواية محمد هو مناقضتها ابن الكاتب بها ويرد إلى أن معناها المشي الواجب عليهما سواء أي في إكماله والعود لتلافيه وغير ذلك لأن مشيهما سواء في الوجوب فلفظ عليهما متعلق بنذر لا بسواء انتهى .
وحاصل كلامه أنهما سواء فيما وجب عليهما فكأنه يقول أن المشي في النذر يجب عليهما فهما فيه سواء وليس الحكم كذلك في الحج بل يفرق بين الحج والنذر ولم يذكر فرقا فليس في كلامه ما يرد على اللخمي لأن اللخمي لم يأخذ الوجوب من قوله : والمشي على الرجال والنساء سواء وإنما أخذه من إيجابه المشي عليها في النذر فقال : الفرض أولى فما يحسن الرد عليه إلا بالفرق بين الحج والنذر والفرق الذي تقدم عن التوضيح حسن وما ذكره المصنف من عدم ركوبها البحر وما قلناه من أنه يكره هو [ ص: 520 ] قول المنصوص له قال في التوضيح : المنقول عن مالك في الموازية كراهة مالك وفي المجموعة والعتبية : نهى سفر النساء في البحر عن مالك انتهى . ونص كلامه في الموازية على ما نقل حج النساء في البحر اللخمي : وأما حجها في البحر فقال في كتاب مالك محمد : ما لها وللبحر البحر هو شديد والمرأة عورة وأخاف أن تنكشف وترك ذلك أحب إلي ، قال الشيخ يعني نفسه : وقد وردت السنة بجواز ركوب النساء في البحر في حديث فركوب النساء في البحر جائز إذا كانت في سرير أو ما أشبه ذلك مما تستتر فيه وتستغني فيه عن مخالطة الرجال وعند حاجة الإنسان وإن كان على غير ذلك لم يجز ومنعت انتهى . قال أم حرام وفي ركوبها البحر قولان تبعا ابن الحاجب لابن شاس .
ويختلف في إلزامها الحج مع عدم المحرم وإذا وجدت رفقة مأمونة ومع الحاجة إلى البحر أو المشي انتهى . ولم يعز ابن عبد السلام ولا المصنف ولا ابن فرحون القول الثاني لأحد ولا ذكروا من ذكره وإنما قال في التوضيح : وأخذ القول بجواز ركوبهن البحر مما ورد في السنة بجواز ركوبهن البحر في الجهاد ثم قال ويجاب عنه بما تقدم انتهى .
ويشير إلى الفرق المتقدم عند قوله : ومال الباجي إلى ركوب البحر وإن أدى إلى تضييع بعض أركان الصلاة انظر شرح قول المصنف : أو يضيع ركن صلاة . وقال ابن فرحون بعد ذكره كلام الموازية المتقدم : وقيل لا يمنع والخلاف في حال انتهى . والموجود في المسألة إنما هو قول المتقدم وقول مالك اللخمي وابن رشد الذي أخذاه من الحديث المتقدم ولذا قال ابن عرفة : وفي كون المرأة فيه كالرجل وسقوطه بها عنها قولا اللخمي وسماع ابن القاسم مع روايته في المجموعة انتهى .
( تنبيهات الأول ) قال في التوضيح بعد كلام في الموازية والعتبية وأشار مالك اللخمي إلى أن هذا إنما يحسن في الشابة ومن يؤبه بها وأما المتجالة ومن لا يؤبه بها فهي كالرجل انتهى .
وما ذكره عن اللخمي لم أره هنا وإنما ذكره في المشي البعيد كما تقدم نقله عنه هناك .
( الثاني ) قال في التوضيح إثر كلامه المتقدم : وقيد عياض ما وقع بما صغر من السفر لعدم الأمن حينئذ من انكشاف عوراتهن لا سيما عند قضاء الحاجة قال : وركوبهن فيما كبر من السفن وحيث يخصصن بأماكن يستترن فيها جائز انتهى . لمالك
( الثالث ) ظاهر كلام المصنف هنا وفي المناسك إنهن إذا خصصن بأماكن وجب عليهن الحج وصرح بذلك البساطي في شرحه وكذلك الأقفهسي أيضا في شرحه قائلا فإنها تصير كالرجال في الوجوب وعدمه انتهى . ونص كلام المصنف في مناسكه فاختلف في إلزامها ذلك على قولين وظاهر المذهب عدم اللزوم فيها قال : والمرأة كالرجل إلا في المشي من المكان البعيد وركوب البحر عياض إلا في المراكب الكبيرة التي يخصصن فيها بأماكن انتهى .
فمفهوم كلامه هذا أو صريحه موافق لما في المختصر وشرحه عليه البساطي والأقفهسي والذي في كلام عياض المتقدم في كلام التوضيح في التنبيه الذي قبل هذا إنما هو انتفاء الكراهة حينئذ فقط من جواز الركوب وما نقله عنه هو في الإكمال في كتاب الجهاد في شرح حديث ونصه : وركوبهن فيما كبر من السفن وحيث يخصصن بأماكن يستترن فيها جائز انتهى . وفي كلام الشارح الصغير إشارة إلى ذلك حيث قال بعد ذكره كلام القاضي أم حرام عياض : وإليه أشار بقوله إلا أن تخص بمكان أي فتنتفي الكراهة انتهى . ولعل المصنف فهم الوجوب من كلام القاضي حيث جعل ركوبهن حينئذ جائزا ; لأنه إذا كان جائزا صار البحر طريقا لهن يجب سلوكها فوجب عليهن الحج فتأمله .
( الرابع ) هذه الحال التي ذكر القاضي عياض أنه يجوز لهن ركوب البحر فيها جعلها اللخمي وابن رشد هي محل الكراهة قال في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الحج : سئل [ ص: 521 ] عن حج النساء في البحر فكره ذلك وقال : لا أحبه وعابه عيبا شديدا قال مالك ابن رشد : إنما كرهه من ناحية الستر مخافة أن ينكشفن لأنهن عورة وهذا إذا كن في معزل عن الرجال لا يخالطنهم عند حاجة الإنسان وفي سعة يقدرون على الصلاة وأما إن لم يكن في معزل عن الرجال أو كن في ضيق يمنعهن من إقامة الصلاة على وجهها فلا يحل لهن أن يحججن ثم قال : وفي دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلها منهم لسؤالها إياه دليل على جواز ركوبه للنساء وذلك على الصفة الجائزة انتهى . لأم حرام
وكلام اللخمي تقدم ذكره قبل التنبيهات .
( الخامس ) رأيت في شرح ابن الحاجب لابن فرحون عزو كلام الموازية المتقدم للمدونة وكأنه سهو من الناقل والله أعلم .
( السادس ) قال في الشامل في المكروهات وركوبها البحر : وهل إن كانت متجالة أو ما لم تخص بمكان بسفينة عظيمة تأويلان انتهى . فأطلق التأويل على غير كلام المدونة وكان التأويل عنده ليس خاصا بالمدونة ويسقط من قوله إن كانت متجالة لفظة غير وتبع في ذلك كلام التوضيح وقد علمت أن اللخمي لم يذكر المتجالة في هذا وإنما ذكرها في المشي البعيد كما تقدم بيانه والله أعلم