الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وركوب )

                                                                                                                            ش : يعني أن الركوب في الحج على الإبل والدواب لمن قدر عليه أفضل من المشي لأنه فعله صلى الله عليه وسلم ولأنه أقرب إلى الشكر قال في النوادر : قال مالك : الحج على الإبل والدواب أحب إلي من المشي لمن يجد ما يتحمل به انتهى . وقال القرطبي : لا خلاف في جواز الركوب والمشي واختلف في الأفضل منهما فذهب مالك والشافعي في آخرين إلى أن الركوب أفضل وذهب غيرهم إلى أن المشي أفضل ولا خلاف أن الركوب في الموقف بعرفة أفضل واختلفوا في الطواف والسعي فالركوب عند مالك في المناسك كلها أفضل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى ، وكلامه الأخير يوهم أن الركوب عند مالك في الطواف والسعي أفضل وليس كذلك بل المشي فيهما عنده من السنن المؤكدة ومن واجبات الحج الذي يجب بتركه دم والله أعلم . وقال المؤلف في مناسكه : والركوب لمن قدر عليه أفضل على المعروف لأنه فعله صلى الله عليه وسلم ولأنه أقرب إلى الشكر انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) ظاهر إطلاقات أصحابنا أن الركوب أفضل ولو كان الحج من مكة وهو صريح كلام القرطبي من تفسيره المتقدم ذكره .

                                                                                                                            ( الثاني ) ما ذكرناه من ركوبه صلى الله عليه وسلم هو المعروف ولا يلتفت إلى تصحيح الحاكم حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { أنه صلى الله عليه وسلم حج هو وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة } لأن المعروف أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بيت الله الحرام بعد الهجرة إلا حجة الوداع وكان صلى الله عليه وسلم راكبا فيها بلا شك قاله ابن جماعة .

                                                                                                                            ( الثالث ) اختار اللخمي وصاحب الطراز تفضيل المشي على الركوب للآثار الواردة في ذلك وأجابا عن ركوبه صلى الله عليه وسلم بأنه لو مشى ما وسع أحد الركوب وبأنه صلى الله عليه وسلم أسن فلم يكن من أهل المشي وليظهر للناس فيقتدون به ولهذا طاف على بعيره ونص كلام صاحب الطراز ذهب بعض الناس إلى أن الحج أفضل راكبا منه ماشيا لأن النبي [ ص: 541 ] صلى الله عليه وسلم فعله هذا غير صحيح لاتفاق الكافة على أن من نذره راكبا وحج ماشيا أنه يجزئه ولو نذره ماشيا ما وسعه أن يحجه إلا ماشيا إذا كان يطيقه فلو كان راكبا أفضل ما أمر بالمشي بل كان يندب إلى الركوب وفي البخاري عنه صلى الله عليه وسلم { ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار } وقال ابن عباس : وددت أني حججت ماشيا وفعله الحسن بن علي وجماعة من السلف أما النبي صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك لوجوه منها أنه كان يقصد التخفيف على الأمة ولو مشى ما ركب أحد ممن حج معه ومنها أنه كان يقتدى به في فعله وكان يظهر للناس على بعيره ويلحظونه ولهذا طاف على بعيره وإن كان ذلك ممنوعا لغيره ومنها أنه لم يكن من أهل المشي فكان فيه في حقه أكبر مشقة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتنفل جالسا لمشقة القيام فكيف بالمشي انتهى . ونحوه للخمي قال : أرى أن أمشي أفضل لقوله عليه السلام : ما اغبرت قدما عبد الحديث فدخل فيه المشي للحج والمساجد والغزو لأن كل ذلك من سبيل الله وقد روي عنه عليه السلام { أنه خرج لجنازة ماشيا ورجع راكبا } وفي الترمذي عن علي { من السنة أن يخرج للعيدين ماشيا } وقال مالك : يستحب المشي للعيدين وقال فيمن خرج للاستسقاء يخرج ماشيا متواضعا غير مظهر لزينة وكل هذه طاعات يستحب للعبد أن يأتي مولاه متذللا ماشيا وقد رئي بعض الصالحين بمكة فقيل له : أراكبا جئت ؟ قال : ما حق العبد العاصي الهارب أن يرجع إلى مولاه راكبا ولو أمكنني لجئت على رأسي وأما حجه عليه السلام فلأنه قد كان يحب ما خف على أمته وقد كان أسن فكان أكثر صلاته بالليل جالسا انتهى .

                                                                                                                            وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل المشي فروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : كأني أنظر إلى موسى بن عمران منهبطا من ثنية هرشى ماشيا } وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يدخلون الحرم مشاة حفاة ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة { ويروى أن آدم عليه السلام حج على رجله سبعين حجة } أخرجه الأزرقي وعن ابن عباس أن آدم عليه السلام حج أربعين حجة من الهند على رجليه قيل لمجاهد أفلا كان يركب ؟ قال : وأي شيء كان يحمله أخرجه ابن الجوزي وعن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين رواه البيهقي وذكر الأزرقي أن ذا القرنين حج ماشيا وعن ابن عباس ما آسى على شيء ما آسى على أني لم أحج ماشيا رواه البيهقي وروي عنه أيضا أنه مرض فجمع أهله وبنيه فقال لهم : يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : من حج ماشيا من مكة حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم } فقال بعضهم : وما حسنات الحرم قال : كل حسنة بمائة ألف حسنة قال ابن جماعة : ورواه الحاكم وصحح إسناده ويروى أن الملائكة تعتنق المشاة وتصافح الركبان وقد قال بعضهم : قدم المشاة على الركبان في الآية ليزيل مكابدة مشقة المشي والعناء بفرح التقديم والاجتباء انتهى جميع ذلك من مناسك ابن جماعة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية