للخبر الصحيح { ( وما كثر جمعه ) من المساجد أو غيرها ( أفضل ) } نعم وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى المساجد الثلاثة أفضل منها في غيرها ، وإن قلت بل قال الجماعة في المتولي إن الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها لكن الأوجه خلافه ( إلا لبدعة إمامه ) التي لا تقتضي تكفيره كرافضي أو فسقه ولو بمجرد التهمة أي التي فيها نوع قوة كما هو واضح [ ص: 254 ] أو غيرهما مما يقتضي كراهة الاقتداء به فالأقل جماعة بل الانفراد أفضل وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الأركان أو الشروط ، وإن أتى بها ؛ لأنه يقصد بها النفلية وهو مبطل عندنا ، ومن ثم أبطل الاقتداء به مطلقا بعض أصحابنا وجوزه الأكثر رعاية لمصلحة الجماعة واكتفاء بوجود صورتها وإلا لم يصح اقتداء بمخالف وتعطلت الجماعات ، ولو تعذرت إلا خلف من يكره الاقتداء به لم تنتف الكراهة كما شمله كلامهم ولا نظر لإدامة تعطلها لسقوط فرضها حينئذ .
وبما تقرر علم ضعف اختيار السبكي ومن تبعه أن الصلاة خلف هؤلاء ومنهم المخالف أفضل من الانفراد ، فإن قلت ما وجه الكراهة التي ذكرتها في المخالف قلت ما يعلم مما يأتي في مبحث الوقف أن كل ما وقع الاختلاف في الإبطال به من حيث الجماعة يقتضي الكراهة من تلك الحيثية ( أو ) كون القليلة بمسجد متيقن حل أرضه ومال بانيه أو إمامه يبادر بالصلاة أول الوقت أو يطيل القراءة حتى يدرك بطيء القراءة الفاتحة ، والكثيرة بغير ذلك أو ( تعطل مسجد قريب ) أو بعيد [ ص: 255 ] عن الجماعة فيه ( لغيبته ) عنه لكونه إمامه أو يحضره الناس بحضوره فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره بل بحث شارح أن الانفراد بالمتعطل عن الصلاة فيه لغيبته أفضل لكن الأوجه خلافه ، وأما اعتماد شارح التقييد بالقريب ؛ لأن له حق الجوار وهو مدعو منه فمردود بأنه مدعو من البعيد أيضا وحق الجوار يعارضه خبر { مسلم } ولو أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى فهي أولى كما أطبقوا عليه حيث قالوا : إن فرض الكفاية أفضل من السنة وأيضا فالخلاف في كونها فرض عين وكونها شرطا لصحة الصلاة أقوى منه في شرطية الخشوع وإفتاء تعارض الخشوع والجماعة ابن عبد السلام بأنه أولى مطلقا إنما يأتي على أنها سنة وكذا إفتاء الغزالي بأنه إذا كان الجمع يمنعه الخشوع في أكثر صلاته فالانفراد أولى على أنه بعيد ؛ لأن القائلين بشرطيته مع شذوذهم إنما يقولون بها في جزء من الصلاة لا في كلها ، فإن قلت تقديمها ينافي ما يأتي من تقديمه في ذي جوع أو عطش .
قلت لا ينافيه ؛ لأن ما هنا مفروض فيمن يتوهم فواته بها من حيث إيثاره العزلة فأمر بها قهرا لنفسه المتخيلة ما قد يكون سببا لاستيلاء الشيطان عليها كما دل عليه الخبر السابق { } ، وأما ذاك فمانعه ظاهر فقدم ؛ لأنه يعد عذرا كمدافعة الحدث ثم رأيت إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية للغزالي إفتاء آخر يصرح بما ذكرته متأخرا عن ذلك الإفتاء فيمن لازم الرياضة في الخلوة حتى صارت طاعته تتفرق عليه بالاجتماع بأنه رجل مغرور إذ ما يحصل له في الجماعة من الفوائد أعظم من خشوعه وأطال في ذلك .