( و ) فحينئذ ( تصح من شروط القدوة توافق نظم صلاتيهما في الأفعال الظاهرة ) أي بعكس كل مما ذكر نظرا لاتفاق الفعل في الصلاتين ، وإن تخالفت النية ، والانفراد هنا أفضل وعبر بعضهم بأولى خروجا من الخلاف وقضيته أنه لا فضيلة للجماعة نظير ما مر في فصل الموقف [ ص: 333 ] ورد بقولهم الآتي الانتظار أفضل إذ لو كانت الجماعة مكروهة لم يقولوا ذلك ونقل قدوة المؤدي بالقاضي ، والمفترض بالمنتفل وفي الظهر بالعصر وبالعكوس الأذرعي أن الانتظار ممتنع أو مكروه ضعيف على أن الخلاف في هذا الاقتداء ضعيف جدا فلم يقتض تفويت فضيلة الجماعة ، وإن كان الانفراد أفضل وقد نقل الماوردي إجماع الصحابة على صحة الفرض خلف النفل وصح { كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم بقومه معاذا } هي له تطوع ولهم مكتوبة والأصح صحة الفرض خلف صلاة التسبيح وينتظره في السجود إذا طول الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين وفي القيام إذا طول جلسة الاستراحة وبه يعلم أنه لو أن أنه لا يتبعه بل ينتظره ساجدا وبه صرح اقتدى شافعي بمثله فقرأ إمامه الفاتحة وركع واعتدل ثم شرع في الفاتحة مثلا القاضي واقتضاه كلام البغوي واستوضحه الزركشي ، وأما ما اقتضاه كلام القفال أن له انتظاره في الاعتدال ويحتمل تطويل الركن القصير في ذلك فبعيد ، وإن مال إليه شيخنا فخيره بين الأمرين وذلك لأن تطويل القصير مبطل ، والسبق بالانتقال للركن غير مبطل فروعي ذلك لحظره مع عدم محوج للتطويل ، فإن قلت هل يفترق الحال بين أن يعود الإمام إلى القيام ناسيا أو لتذكره أنه ترك الفاتحة ، والفرق أنه في الأول لم يسبقه إلا بالانتقال كما ذكر بخلافه في الثاني ، فإنه لما بان أنه إلى الآن في القيام كان انتقال المأموم إلى السجود سبقا له بركنين وبعض الثالث أو هما سواء قلت هما سواء ويبطل ذلك الفرق إن شرط البطلان بالتقدم كالتأخر علم المأموم بمنعه وتعمده له حالة فعله لما تقدم به وهنا لم يوجد من المأموم حال الركوع ، والاعتدال واحد من هذين فلم يكن لهما دخل في الإبطال ولم يحسبا من التقدم المبطل فلزم أنه لم يسبقه إلا بالانتقال إلى السجود عاد للقيام ناسيا أم متعمدا ( وكذا الظهر بالصبح ، والمغرب ) ونحوهما ( وهو كالمسبوق ) فإذا سلم قام وأتم
( ولا تضر كالمسبوق بل هي أفضل من فراقه [ ص: 334 ] وإن لزم عليها تطويل اعتداله بالقنوت وجلسة الاستراحة بالتشهد ؛ لأنه لأجل المتابعة وهو لا يضر ويشكل عليه ما مر في صلاة التسبيح الظاهر في وجوبه إلا أن يفرق بأن هيئة تلك غير معهودة ومن ثم قيل بعدم مشروعيتها بخلاف ما هنا ( وله فراقه إذا اشتغل بهما ) وهو فراق بعذر فلا يفوت به فضيلة الجماعة كما قاله جمع متأخرون وأجروا ذلك في كل مفارقة خير بينها وبين الانتظار ( وتجوز الصبح خلف الظهر في الأظهر ) كعكسه وكذا كل صلاة أقصر من صلاة الإمام لاتفاق نظم الصلاتين ( فإذا قام ) الإمام ( للثالثة إن شاء فارقه ) بالنية ( وسلم ) ؛ لأن صلاته قد تمت وهو فراق بعذر ( وإن شاء انتظره ليسلم معه قلت انتظاره ) ليسلم معه ( أفضل والله أعلم ) ليقع سلامه مع الجماعة وعند الانتظار يتشهد كما قاله الإمام ثم يطيل الدعاء على الأوجه من تردد فيه متابعة الإمام في القنوت ) في الصبح ( والجلوس الأخير في المغرب ) للأذرعي
فإن قلت تشهده قبله ينافيه ما يأتي أن في تقدمه عليه بركن قولي قولا بعدم الاعتداد به قلت الظاهر أن محل ذلك في متابع للإمام ؛ لأنه الذي تظهر فيه المخالفة أما متخلف عنه قصدا فلا يتأتى فيه ذلك القول إذ لا مخالفة حينئذ وخرج بفرضه الكلام في الصبح والمغرب خلف الظهر ، فإذا قام للرابعة امتنع على المأموم انتظاره ، وإن جلس للاستراحة كما يصرح به كلام الشيخين وغيرهما خلافا لمن جوزه إذا جلس للاستراحة كما بينته في شرح العباب [ ص: 335 ] وذلك لأنه يحدث به جلوسا مع تشهد لم يفعله الإمام فيفحش التخلف حينئذ فتبطل صلاته إن علم وتعمد ولا أثر لجلسة الاستراحة هنا ولا لجلوسه للتشهد من غير تشهد في الصبح بالظهر ؛ لأن جلسة الاستراحة تطويلها مبطل فما استدامه غير ما فعله الإمام بكل وجه فلم ينظر لفعل الإمام ولأن جلوسه من غير تشهد كلا جلوس ؛ لأنه تابع له فلم يعتد به بدونه وعلم من هذا بالأولى أنه لو لزمه مفارقته ؛ لأن المخالفة حينئذ أفحش فليس التعبير بالجلوس ، والتشهد جريا على الغالب بل فائدتهما بيان عدم فحش المخالفة عند وجودهما باستمراره فيما كان فيه الإمام ويصح ترك إمامه الجلوس ، والتشهد ولا تجوز له متابعته بل ينتظره إلى أن يسلم معه وهو أفضل وله مفارقته وهو فراق بعذر ولا نظر هنا إلى أنه أحدث جلوسا لم يفعله الإمام ؛ لأن المحذور إحداثه بعد نية الاقتداء لا دوامه كما هنا ( وإن أمكنه القنوت في الثانية ) [ ص: 336 ] بأن وقف إمامه يسيرا ( قنت ) ندبا تحصيلا للسنة مع عدم المخالفة ( وإلا ) يمكنه ( تركه ) ندبا خوفا من التخلف المبطل قال اقتداء من في التشهد بالقائم الإسنوي
والقياس أنه يسجد للسهو . ا هـ . وكأنه لم ينظر لتحمل الإمام ؛ لأن صلاته ليس فيها قنوت وفيه نظير ثم رأيت غيره جزم بعدم السجود وهو القياس ( وله فراقه ) بالنية ( ليقنت ) تحصيلا للسنة وهو فراق بعذر فلا يكره ولو لم يفارق وقنت بطلت صلاته بهوي إمامه إلى السجود كما لو تخلف للتشهد الأول كذا أفتى به القفال ، والمعتمد عند الشيخين أنه لا بأس بتخلفه له إذا [ ص: 337 ] لحقه في السجدة الأولى وفارق التشهد الأول بأنهما هنا اشتركا في الاعتدال فلم ينفرد به المأموم وثم انفرد بالجلوس ومن ثم لو جلس الإمام ثم للاستراحة لم يضر التخلف له على ما اقتضاه هذا الفرق ومقتضى ما قدمته آنفا أنه يضر ثم ظاهر قول الشيخين وغيرهما هنا إذا لحقه في السجدة الأولى أنه لو لم يلحقه فيها بطلت صلاته لكن ينافيه إطلاقهم الآتي أن التخلف بركن بل بركنين ولو طويلين لا يبطل ، فإن قلت هذا فيه فحش مخالفة وقد قالوا لو خالفه في سنة فعلا أو تركا وفحشت المخالفة كسجود التلاوة ، والتشهد الأول بطلت صلاته ، والتخلف للقنوت من هذا قلت لو كان من هذا لتعين اعتماد كلام القفال وقياسه على التشهد الأول وقد تقرر أنه غير معتمد فتعين أن التخلف للقنوت ليس من ذلك ويفرق بأن المتخلف لنحو التشهد الأول أحدث سنة يطول زمنها ولم يفعلها الإمام أصلا ففحشت المخالفة
وأما تطويله للقنوت فليس فيه إحداث شيء لم يفعله الإمام فلم تفحش المخالفة إلا بالتخلف بتمام ركنين فعليين كما أطلقوه ، والحاصل أن الفحش في التخلف للسنة غيره في التخلف بالركن ، وإن الفرق أن إحداث ما لم يفعله الإمام مع طول زمنه فحش في ذاته فلم يحتج لضم شيء إليه بخلاف مجرد تطويل ما فعله الإمام ، فإنه مجرد صفة تابعة فلم يحصل الفحش به بل بانضمام توالي ركنين تامين إليه فتأمله وحينئذ فقولهم هنا إذا لحقه في السجدة الأولى قيد لعدم الكراهة لا للبطلان حتى يهوي للسجدة الثانية وعلى هذا يحمل قول الزركشي المعروف للأصحاب أن التخلف للقنوت مبطل بدليل قوله في محل آخر وقد حكي الخلاف في ذلك لا خلاف بل القول بالبطلان مصور بما إذا فحشت المخالفة أي بأن تأخر بركنين وليس كلام الرافعي فيه بدليل قوله إذا لحقه على القرب .