( لا يظعن ) أي يسافر عن محل إقامته ( شتاء ولا صيفا إلا لحاجة ) على عزم عوده لوطنه ، ولو بعد مدة طويلة ومن له مسكنان يأتي فيه التفصيل الآتي في حاضري فلا تنعقد بمسافر ومقيم الحرم نعم لا يأتي هنا اعتبارهم ، ثم ما نوى الرجوع إليه للإقامة فيه ، ثم ما خرج منه ، ثم موضع إحرامه لعدم تصور ذلك هنا وإنما المتصور اعتبار ما إقامته به أكثر ، فإن استوت بهما فما فيه أهله ومحاجير ولده ، فإن كان له بكل أهل أو مال اعتبر ما به أحدهما دائما أو أكثر أو بواحد أهل وبآخر مال اعتبر ما فيه الأهل ، فإن استويا في كل ذلك [ ص: 436 ] انعقدت به في كل منهما فيما يظهر ولا تأتي نظيرة هذه ، ثم لتعذره ، ثم ما ذكر لا ينافيه ما في الأنوار أنهم لو كانوا بمحل شتاء وبآخر صيفا لم يكونوا مستوطنين بواحد منهما ؛ لأن محل هذا فيمن لم يتوطنوا محلين معينين ينتقلون من أحدهما إلى الآخر ولا يتجاوزونهما إلى غيرهما بخلاف من توطنوا محلين كذلك لكن اختلف حالهم في إقامتهم فيها فإن التوطن بهما أو بأحدهما يناط بما نيط به التوطن في حاضري الحرم
وأفتى الجلال البلقيني في أهل بلد يفارقونها في الصيف إلى مصايفهم بأنهم إن سافروا عنها ، ولو سفرا قصيرا لم تنعقد بهم ، فإن خرجوا عن المساكن فقط وتركوا بها أموالهم لم يكن هذا ظعنا لأنه السفر فتلزمهم ، ولو فيما خرجوا إليه إن عد من الخطة وإلا لزمتهم فيها وما قاله في خروجهم عن المساكن ظاهر إلا قوله : وتركوا أموالهم فليس بقيد وفي سفرهم إن أراد به أنها لا تنعقد بهم في مصايفهم فواضح نعم تلزمهم إن أقيمت فيها جمعة معتبرة أو في بلدهم لو عادوا إليها فليس بصحيح ؛ لأن خروجهم عنها لحاجة لا يمنع استيطانهم بها إذا عادوا إليها كما يصرح به المتن وإنما تسقط عنهم الجمعة نعم إن سمعوا النداء ولم يخشوا على أموالهم لو ذهبوا للجمعة لزمتهم مطلقا وانعقدت بهم في بلدهم ، ولو لم تنعقد بهم في الثانية بل في الأولى لو عادوا إليها كما هو ظاهر أكره الإمام أهل بلد على سكنى غيرها فامتثلوا لكنهم عازمون على الرجوع لبلدهم متى زال الإكراه
ولو خرج بعد الفجر أهل البلد كلهم لحاجة كالصيف وأمكنهم إقامة الجمعة بوطنهم فهل يلزمهم السعي إليها من حين الفجر لأنهم يحرم عليهم أن يعطلوها كما مر أو ينظر في محلهم ، فإن كان يسمع أهله النداء من بلدهم لزمتهم لما مر أنه في حكم بعض أجزائه وإلا فلا محل نظر والأول أحوط [ ص: 437 ] قال الإسنوي ومن تبعه وهذا الشرط لا يغني عنه قوله : أوطان المجمعين فإن ذاك شرط في المكان وهذا في الأشخاص حتى لو أقامها في محل الاستيطان أربعون غير مستوطنين لم تنعقد بهم ، وإن لزمتهم ا هـ ورد بأن هذه الصورة خارجة بقوله المجمعين ؛ لأنه في هذه الصورة لغير المجمعين ويجاب بأنها ، وإن خرجت به إلا أن ذاك خفي إذ يحتمل أن المراد بالمجمعين مقيمو الجمعة ، وإن لم يكونوا من أهلها فاحتاج لبيانه هنا مع ذكر قيود لا يستغنى عنها منها اشتراط التكليف والحرية وعلم مما مر في التيمم أنه لا بد من إغناء صلاتهم عن القضاء وهو ظاهر ، وإن لم أر من صرح به في غير فاقد الطهورين [ ص: 438 ]
وسيعلم مما يأتي أن شرطهم أيضا أن يسمعوا أركان الخطبتين وأن يكونوا قراء أو أميين متحدين ، فيهم من يحسن الخطبة فلو كانوا قراء إلا واحد منهم فإنه أمي لم تنعقد بهم الجمعة كما أفتى به البغوي ؛ لأن الجماعة المشروطة هنا للصحة صيرت بينهما ارتباطا كالارتباط بين صلاة الإمام والمأموم فصار كاقتداء قارئ بأمي وبه يعلم أنه لا فرق هنا بين أن يقصر الأمي في التعلم وأن لا ، وأن الفرق بينهما غير قوي لما تقرر من الارتباط المذكور على أن المقصر لا يحسب من العدد ؛ لأنه إن أمكنه التعلم قبل خروج الوقت فصلاته باطلة وإلا فالإعادة لازمة له ومن لزمته لا يحسب من العدد كما مر آنفا فلا تصح إرادته هنا وفي انعقاد جمعة أربعين أخرس وجهان ومعلوم من اشتراط الخطبة بشروطها الآتية عدم صحة جمعتهم ، ولو كان في الأربعين من لا يعتقد وجوب بعض الأركان [ ص: 439 ] كحنفي صح حسبانه من الأربعين ، وإن شك في إتيانه بجميع الواجب عندنا كما تصح إمامته بنا مع ذلك لأن الظاهر توقيه للخلاف بخلاف ما إذا علم منه مفسد عندنا فلا يحسب كما هو ظاهر مما مر لبطلان صلاته عندنا ، ثم رأيت في الخادم عن مقتضى كلام الشيخين أن العبرة بعقيدة الشافعي إماما كان أو مأموما وهو صريح فيما تقرر .