( كتاب الصيام )
هو لغة الإمساك وشرعا الإمساك الآتي بشروطه الآتية وأركانه النية والإمساك عما يأتي زاد جمع صائم والصائم وهو مبني على عد المصلي والمتوضئ مثلا ركنا ويحتمل عدم البناء والفرق كما مر وفرض رمضان في شعبان ثاني سني الهجرة وينقص ويكمل وثوابهما واحد كما لا يخفى ومحله كما هو ظاهر في الفضل المترتب على رمضان من غير نظر لأيامه أما ما يترتب على يوم الثلاثين من ثواب واجبه ومندوبه عند سحوره وفطره فهو زيادة يفوق بها الناقص وكان حكمة { أنه صلى الله عليه وسلم لم يكمل له رمضان إلا سنة واحدة والبقية ناقصة } زيادة تطمين نفوسهم على مساواة الناقص للكامل [ ص: 371 ] فيما قدمناه ( يجب صوم رمضان ) إجماعا وهو معلوم من الدين بالضرورة من الرمض وهو شدة الحر ؛ لأن وضع اسمه على مسماه وافق ذلك وكذا في بقية الشهور كذا قالوه وهو إنما يأتي على الضعيف أن اللغات اصطلاحية .
أما على أنها توقيفية أي أن الواضع لها هو الله تعالى وعلمها جميعا لآدم عند قول الملائكة لا علم لنا فلا يأتي ذلك وهو أفضل الأشهر حتى من عشر الحجة للخبر الصحيح { رمضان سيد الشهور } وبحث أبي زرعة تفضيل يوم عيد الفطر إذا كان يوم جمعة على أيام رمضان التي ليست يوم جمعة فيه نظر وإن أطيل في الاستدلال له وتفضيل بعض أصحابنا يوم الجمعة على يوم عرفة الذي ليس يوم الجمعة شاذ وإن وافق مذهب أحمد رضي الله عنه فلا دليل فيه نعم يوم عرفة أفضل أيام السنة كما صرحوا به فبفرض شموله لأيام رمضان كما هو الظاهر يجاب بأن سيدية رمضان مخصوصة بغير يوم عرفة لما صح فيه مما يقتضي ذلك وبفرض عدم شموله يجاب بأن سيدية رمضان من حيث الشهر وسيدية يوم عرفة من حيث الأيام فلا تنافي بينهما .
وإنما لم نقل بذلك فيما ذكر من يومي العيد والجمعة ؛ لأنه لم يصح فيهما نظير ما صح في يوم عرفة حتى يخرجا من ذلك العموم ويأتي في صوم التطوع في عشر الحجة وعشر رمضان الأخير ما له تعلق بذلك وأفهم المتن أنه لا يكره قول رمضان بدون " شهر " مطلقا وهو كذلك للأخبار الكثيرة فيه واستند من كرهه لما ليس بمستند [ ص: 372 ] وهو الخبر الضعيف { أنه من أسماء الله تعالى } ( بإكمال شعبان ثلاثين ) يوما وهو واضح قال الدارمي ومن رأى هلال شعبان ولم يثبت ثبت رمضان باستكماله ثلاثين من رؤيته لكن بالنسبة لنفسه فقط ( أو رؤية الهلال ) بعد الغروب لا بواسطة نحو مرآة كما هو ظاهر ليلة الثلاثين منه بخلاف ما إذا لم ير وإن أطبق الغيم لخبر البخاري الذي لا يقبل تأويلا ولا مطعن في سنده يعتد به خلافا لمن زعمهما { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين } .
ومن ثم لم تجز مراعاة خلاف موجبه وكهذين الخبر المتواتر برؤيته ولو من كفار لإفادته العلم الضروري وظن دخوله بالاجتهاد كما يأتي أو بالأمارة الظاهرة الدالة التي لا تتخلف عادة [ ص: 373 ] كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر ، ومخالفة جمع في هذه غير صحيحة ؛ لأنها أقوى من الاجتهاد المصرح فيه بوجوب العمل به لا قول منجم وهو من يعتمد النجم وحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره ولا يجوز لأحد تقليدهما نعم لهما العمل بعلمهما ولكن لا يجزئهما عن رمضان كما صححه في المجموع وإن أطال جمع في رده ولا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 374 ] في النوم قائلا غدا من رمضان لبعد ضبط الرائي لا للشك في الرؤية .
وفيه وجه بالوجوب ككل ما يأمر به ولم يخالف ما استقر في شرعه لكنه شاذ فقد حكى عياض وغيره الإجماع على الأول ولا برؤية الهلال في رمضان وغيره قبل الغروب سواء ما قبل الزوال وما بعده بالنسبة للماضي والمستقبل وإن حصل غيم وكان مرتفعا قدرا لولاه لرئي قطعا خلافا للإسنوي ؛ لأن الشارع إنما أناط الحكم بالرؤية بعد الغروب ولما يأتي أن المدار عليها لا على الوجود


