( باب صوم التطوع )
وهو ما لم يفرض وللصوم من الفضائل والمثوبة ما لا يحصيه إلا الله تعالى ومن ثم أضافه تعالى إليه دون غيره من العبادات فقال { كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به } وأيضا فهو مع كونه من أعظم قواعد الإسلام بل أعظمها عند جماعة لا يمكن أن يطلع عليه من غير إخبار غير الله تعالى وما قيل إن التبعات لا تتعلق به يرده خبر مسلم أنه يؤخذ مع جملة الأعمال فيها وبقي فيه سبعة وأربعون قولا لا تخلو عن خفاء وتعسف نعم قيل إن التضعيف في الصوم وغيره لا يؤخذ ؛ لأنه محض فضل الله تعالى وإنما الذي يؤخذ الأصل وهو الحسنة الأولى لا غير وإنما يتجه إن صح ذلك عن الصادق وإلا وجب الأخذ بعموم ما أخبر به من أخذ حسنات الظالم حتى إذا لم تبق له حسنة وضع عليه من سيئات المظلوم فإذا وضع عليه سيئاته فأولى أخذ جميع حسناته الأصل وغيره ؛ لأن الكل صار له ومحض الفضل جار في الأصل أيضا كما هو معتقد أهل السنة .
( يسن صوم الاثنين والخميس ) للخبر الحسن { أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صومهما ويقول إنهما تعرض فيهما الأعمال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم } أي تعرض على الله تعالى وكذا تعرض في ليلة نصف شعبان وفي ليلة القدر فالأول عرض إجمالي باعتبار الأسبوع [ ص: 454 ] والثاني باعتبار السنة وكذا الثالث وفائدة تكرير ذلك إظهار شرف العاملين بين الملائكة وأما عرضها تفصيلا فهو رفع الملائكة لها بالليل مرة وبالنهار مرة وعد الحليمي اعتياد صومهما مكروها شاذ وتسميتهما بذلك يقتضي أن أول الأسبوع الأحد ونقله ابن عطية عن الأكثرين وناقضه السهيلي فنقل عن العلماء إلا ابن جرير أن أوله السبت وسيأتي بسط ذلك في النذر ( و ) يسن بل يتأكد صوم تسع الحجة للخبر الصحيح فيها المقتضي لأفضليتها على عشر رمضان الأخير ولذا قيل به لكنه غير صحيح ؛ لأن المراد أفضليتها على ما عدا رمضان لصحة الخبر بأنه سيد الشهور مع ما تميز به من فضائل أخرى وأيضا فاختيار الفرض لهذه والنفل لتلك أدل دليل على تميز هذه .
فزعم أن هذه أفضل من حيث الليالي ؛ لأن فيها ليلة القدر وتلك أفضل من حيث الأيام ؛ لأن فيها يوم عرفة غير صحيح وإن أطنب قائله في الاستدلال له ؛ لأنه بما لا مقنع فيه فضلا عن صراحته وآكدها تاسعها وهو يوم ( عرفة ) لغير حاج ومسافر ؛ لأنه { يكفر السنة التي هو فيها والتي بعدها } كما في خبر مسلم وآخر الأولى سلخ الحجة وأول الثانية أول المحرم الذي يلي ذلك حملا لخطاب الشارع على عرفة في السنة وهو ما ذكر والمكفر الصغائر الواقعة في السنتين فإن لم تكن له صغائر رفعت درجته أو وقي اقترافها أو استكثارها وقول مجلي تخصيص الصغائر تحكم مردود وإن سبقه إلى نحوه ابن المنذر بأنه إجماع أهل السنة وكذا يقال فيما ورد في الحج وغيره لذلك المستند لتصريح الأحاديث [ ص: 455 ] بذلك في كثير من الأعمال المكفرة بأنه يشترط في تكفيرها اجتناب الكبائر وحديث تكفير الحج للتبعات ضعيف عند الحفاظ بل أشار بعضهم إلى شدة ضعفه أما الحاج فيسن له فطره وإن لم يضعفه الصوم عن الدعاء تأسيا به صلى الله عليه وسلم فإنه وقف مفطرا وتقويا على الدعاء فصومه خلاف الأولى .
وقيل مكروه وجرى عليه في نكت التنبيه وهو متجه لصحة النهي عنه نعم يسن صومه لمن أخر وقوفه إلى الليل أي ولم يكن مسافرا لنص الإملاء على أنه يسن فطره للمسافر ومثله المريض لمن محله إن أجهده الصوم أي : أتعبه وإن لم يتضرر به قاله الأذرعي وهو أولى من حمل الزركشي له على من يضعفه الصوم ويسن صوم ثامن الحجة احتياطا له ( وعاشوراء ) بالمد وهو عاشر المحرم وشذ من قال إنه تاسعه ؛ لأنه يكفر السنة الماضية رواه مسلم ولكون أجرنا [ ص: 456 ] ضعف أجر أهل الكتاب كان ثواب ما خصصنا به وهو عرفة ضعف ما شاركناهم فيه وهو هذا ( وتاسوعاء ) بالمد وهو تاسعه لخبر مسلم { لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع } فمات قبله والحكمة فيه مخالفة اليهود ويسن صوم الحادي عشر أيضا ( وأيام ) الليالي ( البيض ) وهي الثالث عشر وتالياه لصحة الأمر بصومها والاحتياط صوم الثاني عشر معها .
نعم الأوجه خلافا للجلال البلقيني أنه في الحجة يصوم السادس عشر أو يوما بعده بدل الثالث عشر وحكمة كونها ثلاثة أن الحسنة عشر أمثالها فصومها كصوم الشهر كله ولذلك حصل أصل السنة بصوم ثلاثة من أي أيام الشهر وخصت هذه لتعميم لياليها بالنور المناسب للعبادة والشكر على ذلك ويتعسر تعميم اليوم بعبادة غير الصوم ويسن صوم أيام السود خوفا ورهبة من ظلمة الذنوب وهي السابع أو الثامن والعشرون وتالياه فإن بدأ بالثامن ونقص الشهر صام أول تاليه لاستغراق الظالمة لليلته أيضا وحينئذ يقع صومه عن كونه أول الشهر أيضا فإنه يسن صوم ثلاثة أول كل شهر ( تنبيه ) من الواضح أن من قال أولها السابع ينبغي أن يقوم إذا تم الشهر يسن صوم الآخر خروجا من خلاف الثاني ومن قال الثامن يسن صوم السابع احتياطا فنتج سن صوم الأربعة الأخيرة إذا تم الشهر عليهما ( وستة ) في نسخة ست بلا تاء كما في الحديث وعليها فسوغ حذفها حذف المعدود ( من شوال ) ؛ لأنها مع صيام رمضان أي : جميعه وإلا لم يحصل الفضل الآتي وإن أفطر لعذر كصيام الدهر رواه مسلم أي : لأن الحسنة بعشر أمثالها كما جاء مفسرا في رواية الرملي سندها حسن ولفظها صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام أي : من شوال بشهرين فذلك صيام السنة أي : مثل صيامها بلا مضاعفة نظير ما قالوه في خبر { { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن } وأشباهه .
والمراد ثواب الفرض وإلا لم يكن لخصوصية ستة شوال معنى ؛ إذ من صام مع رمضان ستة [ ص: 457 ] غيرها يحصل له ثواب الدهر لما تقرر فلا تتميز تلك إلا بذلك وحاصله أن من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة ومن صام ستة غيرها كذلك تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة كما أن يصوم ثلاثة من كل شهر تحصله أيضا وقضية المتن ندبها حتى لمن أفطر رمضان وهو كذلك إلا فيمن تعدى بفطره ؛ لأنه يلزمه القضاء فورا بل قال جمع متقدمون يكره لمن عليه قضاء رمضان أي : من غير تعد تطوع بصوم ولو فاته رمضان فصام عنه شوالا سن له صوم ست من القعدة ؛ لأن من فاته صوم راتب يسن له قضاؤه ومر في مبحث النية عن المجموع وغيره في اشتراط التعيين في هذه الرواتب ما ينبغي مراجعته ( وتتابعها ) عقب العيد ( أفضل ) مبادرة للعبادة وإيهام العامة وجوبها ممنوع على أنه لا يؤثر ؛ إذ اعتقاد الوجوب بالندب لا يفسده بل يؤكده


