( و ) بعد غسل الكفين بعد المضمضة كما أفهمه قوله : الآتي ثم يستنشق يسن ( الاستنشاق ) للاتباع ولم يجبا [ ص: 228 ] للحديث الصحيح { تسن ( المضمضة و ) } وخبر { لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ، ويديه ، ويمسح رأسه ، ويغسل رجليه } ضعيف وحكمتهما معرفة أوصاف الماء ( والأظهر أن فصلهما أفضل ) من جمعهما لخبر فيه ( ثم ) على هذا ( الأصح ) أن الأفضل أنه ( يتمضمض بغرفة ثلاثا ثم يستنشق بأخرى ثلاثا ) حتى لا ينتقل عن عضو إلا بعد كمال طهره ومقابله ثلاث لكل متوالية أو متفرقة ؛ لأنه أنظف وأفادت ثم ما مر من أن الترتيب هنا مستحق على كل قول لا مستحب لاختلاف المحل كسائر الأعضاء فمتى قدم شيئا على محله كأن اقتصر على الاستنشاق تمضمضوا واستنشقوا
[ ص: 229 ] لغا واعتد بما وقع بعده في محله من غسل الكفين فالمضمضة فالاستنشاق ؛ لأن اللاغي كالمعدوم كما صرحوا به في العفو عن الدية ابتداء فله العفو بعده عن القود عليها ؛ لأن عفوه الأول لما وقع في غير محله كان بمنزلة المعدوم فجاز له العفو عن القود عليها ، فإن قلت قياس ما يأتي أنه لو اعتد بالتعوذ وفات دعاء الافتتاح الاعتداد بالاستنشاق فيما ذكر وفوات ما قبله قلت يفرق بأن القصد بدعاء الافتتاح أن يقع الافتتاح به ولا يتقدمه غيره وبالبداءة بالتعوذ فإن ذلك لتعذر الرجوع إليه والقصد بالتعوذ أن تليه القراءة وقد وجد ذلك فاعتد به لوقوعه في محله . أتى بالتعوذ قبل دعاء الافتتاح
وما نحن فيه ليس كذلك ؛ لأن كل عضو من الأعضاء الثلاثة المقصود منه بالذات تطهيره وبالعرضل وقوعه في محله وبالابتداء بالاستنشاق فات هذا الثاني فوقع لغوا وحينئذ فكأنه لم يفعل شيئا فسن له غسل اليدين فالمضمضة فالاستنشاق ليوجد المقصود من التطهير ووقوع كل في محله إذ لم يوجد مانع من ذلك فتأمله ، ويأتي في تقديم الأذنين على محلهما ما يؤيد ذلك وقدمت لشرف منافع الفم ؛ لأنه محل قوام البدن أكلا ونحوه والروح ذكرا ونحوه وأقلهما وصول الماء للفم والأنف وأكملهما أن يبالغ في ذلك كما قال ( ويبالغ فيهما غير ) برفعه فاعلا ونصبه استثناء أو حالا من ضمير المتوضئ الدال عليه السياق ( الصائم ) لأمر بذلك في الخبر الصحيح بأن يبلغ الماء إلى أقصى الحنك ووجهي الأسنان واللثات ويسن إمرار الأصبع اليسرى عليها ومج الماء ، ويصعد الماء بنفسه إلى خيشومه مع إدخال خنصر يسراه وإزالة ما فيه من أذى ولا يستقصى فيه فإنه يصير سعوطا لا استنشاقا أي كاملا وإلا فقد حصل به أقله كما علم مما مر في بيان أقله أما الصائم فلا يبالغ كذلك خشية السبق إلى الحلق أو الدماغ فيفطر ومن ثم كرهت له .
وإنما حرمت القبلة المحركة للشهوة [ ص: 230 ] ؛ لأن أصلها غير مندوب مع أن قليلها يدعو لكثيرها والإنزال المتولد منها لا حيلة في دفعه وهنا يمكنه مج الماء ( قلت الأظهر تفضيل الجمع ) بينهما لصحة أحاديثه على الفصل لعدم صحة حديثه والأفضل على الجمع كونه ( بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق ) من كل ( والله أعلم ) لورود التصريح به في رواية وقيل يجمع بينهما بغرفة واحدة وعليه قيل يتمضمض ثلاثا ولاء ثم يستنشق ثلاثا ولاء وقيل يتمضمض ثم يستنشق ثم ثانية كذلك ثم ثالثة كذلك والكل مجزئ ، وإنما الخلاف في الأفضل البخاري