( وهو ) أي المحرر ومدحه بما يأتي مدح لكتابه لاشتماله عليه مع ما تميز به ، وليس مدح الأئمة لكتبهم فخرا بل هو حث على تحري الأولى والأكمل مبالغة في النصح للمسلمين ( كثير الفوائد ) التي ابتدعها مؤلفه ولم يعثر عليها من قبله جمع فائدة وهي ما يرغب في استفادته [ ص: 38 ] من الفؤاد ؛ لأنها تعقل به فترد عليه استفادة ، ومنه إفادة وعرفت بكل نافع ديني أو دنيوي من فاد أتى بنفع ( عمدة في تحقيق المذهب ) أي بيان الراجح وإيضاح المشتبه منه ، وأصله مكان الذهاب ثم استعير لما يذهب إليه من الأحكام تشبيها للمعقول بالمحسوس ثم غلب على الراجح ومنه قولهم المذهب في المسألة كذا ( معتمد ) ترق ؛ لأنه أبلغ من عمدة فهو مغن عنه لولا غرض الإطناب في المدح ( للمفتي ) أي المجيب في الحوادث بما يستنبطه أو يرجحه ولحدوث جوابه وقوته شبه بالفتى في السن من فتي يفتى كعلم يعلم ثم استعير له لفظا الفتوى بالفتح أو الفتيا بالضم ( وغيره ) وهو المستفيد لنفسه أو لإفادة غيره ( من ) بيانية ( أولى ) أصحاب ( الرغبات ) بفتح الغين جمع رغبة بسكونها وهي الانهماك على الخير طلبا لحيازة معاليه .
( تنبيه )
ما أفهمه كلامه من جواز [ ص: 39 ] مجمع عليه وإن لم يتصل سند الناقل بمؤلفيها نعم النقل من نسخة كتاب لا يجوز إلا إن وثق بصحتها أو تعددت تعددا يغلب على الظن صحتها أو رأى لفظها منتظما وهو خبير فطن يدرك السقط والتحريف فإن انتفى ذلك قال وجدت كذا أو نحوه ومن جواز النقل من الكتب المعتمدة ونسبة ما فيها لمؤلفيها فيه تفصيل لا بد منه ، ودل عليه كلام المجموع وغيره وهو أن الكتب المتقدمة على الشيخين لا يعتمد شيء منها إلا بعد مزيد الفحص والتحري حتى يغلب على الظن أنه المذهب ولا يغتر بتتابع كتب متعددة على حكم واحد فإن هذه الكثرة قد تنتهي إلى واحد ألا ترى أن أصحاب اعتماد المفتي ما يراه في كتاب معتمد أو القفال الشيخ أبي حامد مع كثرتهم لا يفرعون ويؤصلون إلا على طريقته غالبا ، وإن خالفت سائر الأصحاب فتعين سبر كتبهم هذا كله في حكم لم يتعرض له الشيخان أو أحدهما ، وإلا فالذي أطبق عليه محققو المتأخرين ولم تزل مشايخنا يوصون به وينقلونه عن مشايخهم وهم عمن قبلهم .
وهكذا أن المعتمد ما اتفقا عليه أي ما لم يجمع متعقبو كلامهما على أنه سهو وأنى به ألا ترى أنهم كادوا يجمعون عليه في إيجابهما النفقة بفرض القاضي ومع ذلك بالغت في الرد عليهم كبعض المحققين في شرح الإرشاد فإن اختلفا فالمصنف فإن وجد للرافعي ترجيح دونه فهو ، وقد بينت سبب إيثارهما وإن خالفا الأكثرين في خطبة شرح العباب بما لا يستغنى عن مراجعته ومن أن هذا الكتاب مقدم على بقية كتبه ليس على إطلاقه أيضا بل الغالب تقديم ما هو متتبع فيه كالتحقيق فالمجموع فالتنقيح ثم ما هو مختصر فيه كالروضة فالمنهاج ونحو فتاواه فشرح فتصحيح التنبيه ونكته من أوائل تأليفه فهي مؤخرة عما ذكر وهذا تقريب ، وإلا فالواجب في الحقيقة عند تعارض هذه الكتب مراجعة كلام معتمدي المتأخرين واتباع ما رجحوه منها ( وقد التزم ) استئناف أو حال فقد حينئذ واجبة الذكر أو التقدير عند مسلم البصريين لتقرب الماضي من الحال واعترضهم السيد الجرجاني ومن تبعه بما رددته عليهم في شرح الهمزية فانظره فإنه مهم .
( مصنفة رحمه الله ) بحسب ما يظهر من قوله في خطبته ناص على ما عليه المعظم [ ص: 40 ] فقول السبكي أن هذا لا يفهم التزاما مراده أنه لا يصرح به ( أن ينص ) فيما فيه خلافا أي غالبا ( على ما صححه ) فيه ( معظم الأصحاب ) ؛ لأن الخطأ إلى القليل أقرب منه إلى الكثير ، وهذا حيث لا دليل يعضد ما عليه الأقلون وإلا اتبعوا ومن ثم وقع لهما أعني الشيخين ترجيح ما عليه الأقل ولو واحدا في مقابلة الأصحاب واعترضهما المتأخرون بما رددته عليهم في خطبة شرح العباب وأشرت إليه فيما مر آنفا ، وبما قررته يندفع الاعتراض على الرافعي بأنه قد يجزم ببحث للإمام أو غيره .
والجواب عنه بأنه إنما يفعل ذلك فيما فيه تقييد لما أطلقوه ورده بأن هذا لا يطرد في كلامه على أن الذي في المجموع وغيره أن ما دخل في إطلاق الأصحاب منزل منزلة تصريحهم به فلعل الرافعي فهم فيما انفرد به واحد أنه موافق لإطلاقهم فنزله منزلة تصريحهم به ( ووفى ) بالتخفيف والتشديد أيالرافعي ويصح على [ ص: 41 ] بعد عوده للمحرر ( بما التزمه ) حسبما ظهر له أو اطلع عليه في ذلك الوقت فلا ينافي استدراكه عليه فيما يأتي ( وهو ) أي ما التزمه ( من أهم ) المطلوبات ( أو ) أي بل هو ( أهم ) وجره مفسد للمعنى ( المطلوبات ) لمن يريد معرفة الراجح من المذهب ، ويصح كون أو للترديد إبهاما على السامع وتنشيطا له إلى البحث عن ذلك وللتنويع إشارة إلى أن معرفة الراجح مذهبا من الأهم بالنسبة لمن يريد الإحاطة بالمدارك وهي الأهم لمن يريد مجرد الإفتاء أو العمل ، ومدركا بالعكس بل في الحقيقة هي الأهم مطلقا وإن قل نائلوها ومن ثم خالف وأصحابه في مسائل كثيرة أكثر العلماء الشافعي