( ولا يطهر ) بغسل لأنه إنما شرع لإزالة ما طرأ على العين ولا استحالة إلى نحو ملح ؛ لأن حقيقة الاستحالة هنا أن يبقى الشيء بحاله وإنما تغيرت صفاته فقط لكن يستثنى من هذا شيئان لا ثالث لهما في الحقيقة للنص عليهما ولعموم الاحتياج بل الاضطرار إليهما ومن ثم قال ( إلا خمرا ) ولو غير محترمة وأراد بها هنا مطلق المسكر ولو من نحو زبيب وتمر وحب لتصريحه كالأصحاب في بابي الربا والسلم بحل تلك المستلزم لطهارتها على أن أهل الأثر نجس العين ومالكا على وصفه بذلك كما هو قول وأحمد للشافعي لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار ، وقد زال ولحل اتخاذ الخل إجماعا وهو مسبوق بالتخمر قيل إلا في ثلاث صور فلو لم يطهر لتعذر اتخاذه ولا يرد على إطلاقه خلافا لمن زعمه تخلل ما وقع فيه خمر أو عظم نجس ثم نزع قبل تخلله لأن مانع الطهارة هنا تنجسه لا كونه [ ص: 304 ] خمرا ( تنبيه ) ( تخللت ) بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها
المستثنى إنما هو الخمر بقيد التخلل لا مطلقا كما هو واضح فاندفع ما قيل في عبارته تساهل ؛ لأن الطهر للخل لا للخمر ويتفرع على سبق الخل بالتخمر الحنث في أنت طالق إن تخمر هذا العصير فتخلل ولم يعلم تخمره نظرا للغالب أو المطرد ( وكذا إن نقلت من شمس إلى ظل وعكسه ) فتطهر ( في الأصح ) إذ لا عين ( فإن وإن لم يكن له أثر في التخلل أو نزع ، وقد انفصل منه شيء أو كان نجسا وإن نزع فورا كما مر نعم يستثنى نحو حبات العناقيد مما يعسر التنقي منه كما يصرح به كلام المجموع وجرى عليه جمع متقدمون ومتأخرون خلافا لآخرين وإن أولوا كلام المجموع وبنوا كلام غيره على ضعيف إذ لا ملجئ لهم إلى ذلك [ ص: 305 ] وكذا ما احتيج إليه لعصر يابس أو استقصاء عصر رطب ؛ لأنه من ضرورته ( فلا ) تطهر ويحرم تعمد ذلك لخبر خللت بطرح شيء ) كملح أو وقع فيها بلا طرح وبقي إلى تخللها { مسلم } وعلته تنجس المطروح بالملاقاة فينجس الخل ، وقيل لأنه استعجل إلى مقصوده بفعل محرم فعوقب بنقيض قصده كما لو قتل مورثه وعلى هذا لا تطهر بالنقل السابق وهو مقابل الأصح ثم ويطهر بطهرها طرفها وما ارتفعت إليه لكن بغير فعله تبعا لها وفي معنى تخلل الخمر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال لا ونحوه لا دم البيضة فرخا ؛ لأنه بانقلابه إليه يتبين أنه طاهر ؛ لأنه أصل حيوان كالمني وعند عدم انقلابه إن كانت عن كبس ذكر [ ص: 306 ] فكذلك لصلاحيته لمجيء الفرخ منه وإلا فلا وبه يجمع بين تناقض انقلاب دم الظبية مسكا المصنف فيه ( تنبيه )
يكثر السؤال عن والذي يتجه فيه أن ذلك الطيب إن كان أقل من الزبيب تنجس وإلا فلا ولا عبرة بالرائحة أخذا من قولهم لو زبيب يجعل معه طيب متنوع وينقع ثم يصفى فتصير رائحته كرائحة الخمر كما هو ظاهر تنجس ؛ لأنه لقلة الخل فيه يتخمر وإلا فلا لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ويؤخذ منه أنهم نظروا في هذا للمظنة حتى لو قال خبير إن شاهدناه من حين الخلط في الأولى إلى التخلل ولم يشتد ولا قذف بالزبد لم يلتفت لقولهما وكذا لو قالا في الأخيرتين شاهدناه اشتد وقذف بالزبد ويحتمل الفرق بأن الاشتداد قد يخفى فلم ينظر لقولهما في الأولى بخلاف ما بعدها ؛ لأنهما أخبرا بمشاهدة الاشتداد فلم يمكن إلغاء قولهم إلا إن قلنا إن ما نيط بالمظنة لا نظر لتخلفه في بعض أفراده وأن العلامة لا يلزم من وجودها وجود ما هي علامة عليه كما صرحوا به ، فحينئذ يتجه إطلاقهم النجاسة والحرمة في الأولى وعدمهما في الأخيرتين وظاهر أن الخل في كلامهم مثال فيلحق به كل ما في معناه مما لا يقبل التخمر ويمنع من وجوده إن غلب أو ساوى ( تنبيه آخر ) ألقي على عصير خل دونه أي وزنا
اختلف في فقيل نعم لانقلاب العصا ثعبانا حقيقة بدليل { انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب فإذا هي حية تسعى } وإلا لبطل الإعجاز ولا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ذلك وتخصيص الإرادة له ، وقيل لا لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به ، والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهبا على ما هو رأي المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي صار به نحاسا ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات ، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشيء في الزمن الواحد نحاسا وذهبا ، ومن ثم اتفق أئمة التفسير على ما مر في العصا بأحد هذين الاعتبارين المذكورين وبثانيهما يتجه قول أئمتنا في كلب مثلا وقع في مملحة فاستحال ملحا أنه باق على نجاسته بل وعلى الأول أيضا ؛ لأنه غير متيقن فعملوا بالأصل ( تنبيه آخر )
ولم نر لأحد كلاما في ذلك وظاهر أنه ينبني على هذا الخلاف فعلى الأول [ ص: 307 ] من علم العلم الموصل لذلك القلب علما يقينيا جاز له عمله وتعليمه إذ لا محذور فيه حينئذ بوجه وما تخيل أنه من هتك سر القدر وهو لا يجوز إفشاؤه كما في تفسير كثيرا ما يسأل عن علم الكيمياء وتعلمه هل يحل أو لا في { البيضاوي بلغ ما أنزل إليك } فيرد بمنع أن هذا منه ؛ لأن ما وضع له علم يتوصل إليه به لا يسمى العمل به هتكا لذلك وإنما الذي منه فعل الخضر صلى الله عليه وسلم في قتل الغلام وفي بعض حواشي المعتمدة هذا منه منزع صوفي وهو يؤيد ما ذكرته أن الهتك إنما هو في نحو فعل البيضاوي الخضر صلى الله عليه وسلم مما يكشفه الله لأخصائه موهبة إلهية من غير تعلم ولا استعداد ، وإن قلنا بالثاني أو لم يعلم الإنسان ذلك العلم اليقيني وكان ذلك وسيلة للغش فالوجه الحرمة وكذا ؛ لأنه غش صرف نعم إن باعه لمن يعلمه بحقيقته جاز ما لم يظن أنه يغش به غيره كبيع العنب لعاصر الخمر وتخيل أن الصبغ الذي لا ينكشف ملحق بقلب الأعيان فاسد لقولهم ضابط الغش أن يكون فيه وصف لو اطلع عليه لم يرغب فيه بذلك الثمن أي ولا تقصير من المشتري لما يأتي في زجاجة ظنها جوهرة وهنا لا تقصير إذ يعز الاطلاع على حقيقة ذلك المصبوغ ، فإن قلت صرحوا بكراهة ضرب مثل سكة الإمام ، وظاهره حل ضرب مغشوش غشه بقدر غش مضروب الإمام قلت هذا الظاهر متجه إذ لا محذور حينئذ حيث كان يساويه غشا وليونة بحيث لا يتفاوت ثمنهما . تطهير نحو نحاس حتى يقبل صبغا أو خلطا