الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            استعمال سعيد الحرشي على خراسان  وفي سنة ثلاث ومائة

            عزل أمير العراق - وهو عمر بن هبيرة - سعيدا الملقب خذينة  ، عن نيابة خراسان وولى عليها سعيد بن عمرو الحرشي ، بإذن أمير المؤمنين ، وكان سعيد هذا من الأبطال المشهورين ، انزعج له الترك ، وخافوه خوفا شديدا ، وتقهقروا من بلاد الصغد إلى ما وراء ذلك من بلاد الصين وغيرها . كان سبب عزله أن المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الله بن عمير الليثي قدما على عمر بن هبيرة فشكواه ، فعزله واستعمل سعيد بن عمرو الحرشي ، ( بالحاء المهملة ، والشين المعجمة ، من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ) . وكان خذينة [ غازيا ] بباب سمرقند ، فبلغه عزله ، وخلف بسمرقند ألف رجل .

            وقيل : إن عمر بن هبيرة كتب إلى يزيد بن عبد الملك بأسماء من أبلى يوم العقر ولم يذكر سعيدا الحرشي ، فقال يزيد : لم لم يذكر الحرشي ؟ وكتب إلى عمر بن هبيرة أن ول الحرشي خراسان ، فولاه ، فقدم بين يديه المجشر بن مزاحم السلمي ، فقال نهار بن توسعة :


            فهل من مبلغ فتيان قومي بأن النبل ريشت كل ريش     وأن الله أبدل من سعيد
            سعيدا لا المخنث من قريش

            وقدم سعيد الحرشي خراسان ، فلم يعرض لعمال خذينة ، وقرأ رجل عهده فلحن فيه ، فقال : صه ، مهما سمعتم فهو من الكاتب ، والأمير منه بريء . ولما قدم الحرشي خراسان كان الناس بإزاء العدو ، وكانوا قد نكبوا ، فخطبهم وحثهم على الجهاد ، وقال : إنكم لا تقاتلون بكثرة ولا بعدة ، ولكن بنصر الله وعز الإسلام ، فقولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي ] العظيم ، وقال :


            فلست لعامر إن لم تروني     أمام الخيل أطعن بالعوالي
            وأضرب هامة الجبار منهم     بعضب الحد حودث بالصقال
            فما أنا في الحروب بمستكين     ولا أخشى مصاولة الرجال
            أبى لي والدي من كل ذم     وخالي في الحوادث خير خال

            فلما سمع أهل الصغد بقدوم الحرشي خافوا على نفوسهم; لأنهم كانوا قد أعانوا الترك أيام خذينة ، فاجتمع عظماؤهم على الخروج من بلادهم ، فقال لهم ملكهم : لا تفعلوا ، أقيموا واحملوا الخراج ما مضى ، واضمنوا له خراج ما يأتي وعمارة الأرض ، والغزو معه إن أراد ذلك ، واعتذروا مما كان منكم وأعطوه رهائن . قالوا : نخاف أن لا يرضى ولا يقبل ذلك منا ، ولكنا نأتي خجندة فنستجير ملكها ، ونرسل إلى الأمير ، فنسأله الصفح عما كان منا ، ونوثق [ له ] أنه لا يرى [ منا ] أمرا يكرهه . فقال : أنا رجل منكم ، والذي أشرت به عليكم خير لكم .

            فأبوا وخرجوا إلى خجندة ، وأرسلوا إلى ملك فرغانة يسألونه أن يمنعهم وينزلهم مدينته ، فأراد أن يفعل فقالت أمه : لا يدخل هؤلاء الشياطين مدينتك ، ولكن فرغ لهم رستاقا يكونون فيه ، فأرسل إليهم : سموا رستاقا تكونون فيه حتى أفرغه لكم ، وأجلوني أربعين يوما ، وقيل عشرين يوما . فاختاروا شعب عصام بن عبد الله الباهلي ، وكان قتيبة قد خلفه فيهم ، فقال : نعم ، وليس [ لكم ] علي عقد وجوار حتى تدخلوه ، وإن أتتكم [ العرب ] قبل أن تدخلوه لم أمنعكم . فرضوا ، ففرغ لهم الشعب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية