الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر الشمس والقمر والنجوم

            عن حذيفة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، قال: "لما أبرم الله -عز وجل- خلقه فلم يبق غير آدم خلق شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمرا فإنه خلقها دون الشمس في الضوء ، ولو تركها شمسين لم يعرف الليل من النهار ، ولكان الصائم لا يدري إلى متى يصوم ، فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فمحا عنه الضوء ، وبقي فيه النور ، وخلق للشمس عجلة لها ثلاثمائة وستون عروة ، ووكل بها ثلاثمائة وستين ملكا قد يعلق كل ملك بعروة وإذا أراد أن يري العباد آية خرت الشمس عن عجلتها فوقعت في بحر وتسجد الشمس تحت العرش بمقدار الليل ، ثم تؤمر بالطلوع ، فإذا ما دنت القيامة جعلت الشمس ، ثم يتبعها القمر ثم يطلعان من المغرب ثم يعود إلى ما خلق الله" .

            وروى طاووس ، عن ابن عباس ، أنه قال: قال الله -عز وجل- للسماء: "أخرجي شمسك وقمرك ونجومك" ، وقال للأرض: "شققي أنهارك وأخرجي ثمارك" فقالتا: أتينا طائعين .

            وقد أشكل هذا قوم غلبت عليهم الظواهر ، وقل فهمهم ، وظنوا أنه قول السماء حقيقة ، وأنها أخرجت شمسها بفعل ، وهذا سوقهم ، لأن قوله أتيا طوعا معناه كونا بتكويننا ، وهو تقريب إلى الأفهام تقريره لا بد من فعل ما يريده لو قدرنا أن السماء موجودة أن يوافق أو يخالف ، ويوضح هذا أنهما إن كانتا حالة الخطاب معدومتين ، فالمعدوم لا يخاطب ، وإن كانتا موجودتين استغنتا بوجودهما عن التكوين ، ثم أي قدرة لهما في إخراج شمس أو قمر ، وهل خالق إلا الله ، وإنما المراد كوني بتكويني إياك ، ومثله [قوله] تعالى: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون . وقوله: كونوا قردة خاسئين . كونوا حجارة أو حديدا ، وهذا من توسع العرب في الخطاب يقصدون به إعلام المخاطب بسرعة التكوين .

            قال مجاهد [في] قوله تعالى: رب المشرقين ورب المغربين قال: مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، ومغرب الشتاء ومغرب الصيف .

            قال ابن عباس : يطلع كل سنة في ثلاثمائة وستين كوة ، كل يوم في كوة فلا يرجع إلى تلك الكوة في ذلك اليوم من العام المقبل .

            وقد روى عبد الله بن عمرو ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى الشمس حين غابت فقال: "في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله -عز وجل- لأهلكت ما على الأرض" .

            قال أبو الحسين أحمد بن جعفر : قد نظر بعض الناس أن ذلك دعاء على الشمس ، وليس كذلك ، إنما هو وصف للعين التي تواري الشمس في قوله تعالى: تغرب في عين حمئة .

            قال سعيد بن المسيب : إن الشمس إذا أرادت أن تطلع تقاعست كرامة أن تعبد من دون الله فيدفعها ثلاثمائة وستون ملكا .

            وقال ابن عباس : لا تطلع إلا وهي كارهة ، تقول: يا رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك .

            وعن أبي أمامة ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وكل بالشمس سبعة أملاك يرمونها بالثلج كل يوم ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته" .

            وعن أبي ذر ، قال: كنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد حين وجبت الشمس ، فقال: "يا أبا ذر تدري أين تذهب الشمس؟" قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي الله -عز وجل- فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها: ارجعي حيث جئت ، فتطلع من مغربها" . أخرجاه في الصحيحين .

            قال ابن عقيل : قد ذكر أصحاب علوم الهندسة أن بعد الشمس من الأرض أربعة آلاف وثمانمائة وعشرون ألف ميل ونصف . وذكروا أن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءا من الأرض ، وأن المشتري أعظم من الأرض ، يزيد جرمه على جرم الأرض مائتان وثمانون مرة ونصف وربع . وزحل أعظم من الأرض تسعة وسبعين مرة ونصفا . وأما الكواكب الثابتة فأعظمها الخمسة عشر العظام نيرة مثل الشعرى والسماك ، وقلب الأسد ، يكون جرم كل كوكب منها أعظم من الأرض بأربع وسبعين مرة ونصف .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية