ذكر وفيه : البيت المعمور . وذكر أنه وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مستندا ظهره إلى البيت المعمور . وذكرنا وجه المناسبة في هذا ; أن البيت المعمور في السماء السابعة بمنزلة الكعبة في الأرض . ثم رفع لي البيت المعمور ، وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم
وعن خالد بن عرعرة ; أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب ، عن البيت المعمور فقال : هو مسجد في السماء يقال له الضراح ، وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يعودون إليه أبدا .
وقال آخرون : في كل سماء بيت يعمره ملائكته بالعبادة فيه ، ويفدون إليه بالنوبة والبدل ، كما يعمر أهل الأرض البيت العتيق بالحج في كل عام ، والاعتمار في كل وقت ، والطواف والصلاة في كل آن .
وفي حديث مجاهد : أن الحرم حرام مناه يعني قدره من السماوات السبع والأرضين السبع ، وأنه رابع أربعة عشر بيتا ; في كل سماء بيت ، وفي كل أرض بيت لو سقطت سقط بعضها على بعض ، ثم روى عن مجاهد قال : مناه ; أي مقابله ، وهو حرف مقصور ، وعن عبد الله بن عمرو يقول : إن الحرم محرم في السماوات السبع مقداره من الأرض ، وإن بيت المقدس مقدس في السماوات السبع مقداره من الأرض . كما قال بعض الشعراء :
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أشد وأطول
واسم البيت الذي في السماء الدنيا بيت العزة ، واسم الملك الذي هو مقدم الملائكة فيها إسماعيل ، فعلى هذا يكون السبعون ألفا من الملائكة الذين يدخلون في كل يوم إلى البيت المعمور ، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم : أي لا تحصل لهم نوبة فيه إلى آخر الدهر ; يكونون من سكان السماء السابعة وحدها ، ولهذا قال تعالى : وما يعلم جنود ربك إلا هو [ المدثر : 31 ] .وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . فقال أبو ذر : والله لوددت أني شجرة تعضد . رواه الترمذي وقال: حسن غريب ، ويروى عن أبي ذر موقوفا . إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء ، وحق لها أن تئط ; ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد ، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : بسنده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . فدل هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السماوات السبع إلا وهو مشغول بالملائكة ، وهم في صنوف من العبادة ; منهم من هو قائم أبدا ، ومنهم من هو راكع أبدا ، ومنهم من هو ساجد أبدا ، ومنهم من هو في صنوف أخر الله أعلم بها ، وهم دائمون في عبادتهم ، وتسبيحهم ، وأذكارهم ، وأعمالهم التي أمرهم الله بها ، ولهم منازل عند ربهم كما قال تعالى : ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا : ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لا نشرك بك شيئا وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون [ الصافات : 164 - 166 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : . ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا : وكيف يصفون عند ربهم ؟ قال : يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف
وقال . فضلنا على الناس بثلاث ; جعلت لنا الأرض مسجدا ، وتربتها لنا طهورا ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وكذلك يأتون يوم القيامة بين يدي الرب جل جلاله صفوفا . كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا [ الفجر : 22 ] . ويقفون صفوفا بين يدي ربهم عز وجل يوم القيامة . كما قال تعالى : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ النبأ : 38 ] . والمراد بالروح هاهنا بنو آدم . قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة . وقيل : ضرب من الملائكة يشبهون بني آدم في الشكل . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو صالح ، والأعمش . وقيل : جبريل . قاله الشعبي ، وسعيد بن جبير ، والضحاك . وقيل : ملك يقال له : الروح بقدر جميع المخلوقات . قال علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس قوله : ذكر الملك المسمى بالروح يوم يقوم الروح . قال : هو ملك من أعظم الملائكة خلقا .
وذكرنا في صفة حملة العرش ، عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . رواه أبو داود ، وابن أبي حاتم ، ولفظه " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام . " مخفق الطير سبعمائة عام
صفة جبريل عليه السلام وقد ورد في أمر عظيم : قال الله تعالى : صفة جبريل عليه السلام علمه شديد القوى [ النجم : 5 ] . قالوا : كان من شدة قوته أنه رفع مدائن قوم لوط ، وكن سبعا بمن فيها من الأمم ، وكانوا قريبا من أربعمائة ألف ، وما معهم من الدواب والحيوانات ، وما لتلك المدن من الأراضي والمعتملات والعمارات وغير ذلك ، رفع ذلك كله على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء ، حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم وصياح ديكتهم ، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها . فهذا هو شديد القوى . وقوله : ذو مرة . أي خلق حسن وبهاء وسناء ، كما قال في الآية الأخرى : إنه لقول رسول كريم [ التكوير : 19 ] . أي : جبريل رسول من الله " كريم " . أي : حسن المنظر " ذي قوة " . أي : له قوة وبأس شديد عند ذي العرش مكين . أي : له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله ذي العرش المجيد . " مطاع ثم " . أي : مطاع في الملأ الأعلى " أمين " . أي : ذي أمانة عظيمة ، ولهذا كان هو السفير بين الله وبين أنبيائه عليهم السلام الذي ينزل عليهم بالوحي فيه الأخبار الصادقة ، والشرائع العادلة . وقد كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينزل عليه في صفات متعددة كما قدمنا . وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين ، له ستمائة جناح كما روى البخاري بسنده عن الشيباني قال : سألت زرا ، عن قوله : فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى [ النجم : 9 10 ] . قال : حدثنا عبد الله يعني ابن مسعود : . أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح
وقال الإمام أحمد بسنده عن عبد الله قال : . رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته ، وله ستمائة جناح ; كل جناح منها قد سد الأفق ، يسقط من جناحه من التهاويل من الدر والياقوت ما الله به عليم
وقال أحمد بسنده عن شقيق سمعت ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . إسناده صحيح . بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله أتاني جبريل في خضر تعلق به الدر ما كذب الفؤاد ما رأى [ النجم : 11 ] . قال : . إسناد جيد قوي . رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض
وفي الصحيحين من حديث عامر الشعبي ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة فقلت : أليس الله يقول : ولقد رآه بالأفق المبين [ التكوير : 23 ] . ولقد رآه نزلة أخرى [ النجم : 13 ] . فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين ، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض .
وقال البخاري بسنده عن ابن عباس قال : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا [ مريم : 64 ] . الآية . وروى البخاري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ألا تزورنا أكثر مما تزورنا قال : فنزلت : . وقال البخاري بسنده عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر العصر شيئا ، فقال له عروة : أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عمر : أعلم ما تقول يا عروة . قال : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول : سمعت أبا مسعود يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة . يحسب بأصابعه خمس صلوات . نزل جبريل فأمني فصليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه ، ثم صليت معه
صفة إسرافيل
روى ابن عباس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أنه قال: "إن ملكا من ملائكة الله تعالى يقال له ، وقدماه في الأرض السفلى قد رنق رأسه في السماء السابعة" إسرافيل يحمل زاوية من زوايا العرش على كاهله .
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر : والملائكة خلقت من نور ، وقد قيل إن المستأنف منها يخلق من دموع إسرافيل . ومن ; وهو أحد حملة العرش ، وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة ; أولاهن : نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة البعث . والصور : قرن ينفخ فيه ، كل دارة منه كما بين السماء والأرض ، وفيه موضع أرواح العباد حين يأمره الله بالنفخ للبعث ، فإذا نفخ تخرج الأرواح تتوهج ، فيقول الرب جل جلاله : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى البدن الذي كانت تعمره في الدنيا . فتدخل على الأجساد في قبورها ; فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ فتحيا الأجساد ، وتنشق عنهم الأجداث ، فيخرجون منها سراعا إلى مقام المحشر . صفة إسرافيل عليه السلام
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أنعم ، وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ، وانتظر أن يؤذن له ؟ قالوا : كيف نقول يا رسول الله ؟ قال : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا
وقال الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد قال : . وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني بسنده عن ابن عباس قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال : عن يمينه جبريل ، وعن يساره ميكائيل عليهم السلام . هذا حديث غريب من هذا الوجه . بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه جبريل بناحية إذ انشق أفق السماء فأقبل إسرافيل يدنو من الأرض ويتمايل ، فإذا ملك قد مثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تختار بين نبي عبد أو ملك نبي ؟ قال : فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع . فعرفت أنه لي ناصح ، فقلت : عبد نبي . فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت : يا جبريل قد كنت أردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا إسرافيل عليه السلام خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه ، بينه وبين الرب سبعون نورا ، ما منها من نور يكاد يدنو منه إلا احترق بين يديه لوح ، فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض ، ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته ، فينظر فإن كان من عملي أمرني به . وإن كان من عمل ميكائيل أمره به . وإن كان من عمل ملك الموت أمره به . قلت : يا جبريل وعلى أي شيء أنت ؟ قال : على الريح والجنود . قلت : وعلى أي شيء ميكائيل ؟ قال : على النبات والقطر ؟ قلت : وعلى أي شيء ملك الموت ؟ قال : على قبض الأنفس . وما ظننت أنه نزل إلا لقيام الساعة ، وما الذي رأيت مني إلا خوفا من قيام الساعة
وفي صحيح مسلم ، عن عائشة : . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
وفي حديث الصور : أن إسرافيل أول من يبعثه الله بعد الصعق لينفخ في الصور . وذكر محمد بن الحسن النقاش : أن إسرافيل أول من سجد من الملائكة ، فجوزي بولاية اللوح المحفوظ . حكاه أبو القاسم السهيلي في كتابه " التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام " . صفة ميكائيل عليه السلام وقال تعالى : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال [ البقرة : 98 ] . عطفهما على الملائكة لشرفهما فجبريل ملك عظيم ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وهو ذو مكانة من ربه عز وجل ، ومن أشراف الملائكة المقربين .
وقد قال الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك ، . فهؤلاء الملائكة المصرح بذكرهم في القرآن ، وفي الصحاح هم المذكورون في الدعاء النبوي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل : ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا قط . فقال : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار . فجبريل ينزل بالهدى على الرسل لتبليغ الأمم ، وميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار ، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله . وقد روينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقدرها في موضعها من الأرض ، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور للقيام من القبور ، والحضور يوم البعث والنشور ليفوز الشكور ، ويجازى الكفور فذاك ذنبه مغفور وسعيه مشكور ، وهذا قد صار عمله كالهباء المنثور وهو يدعو بالويل والثبور . اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل
فجبريل عليه السلام يحصل بما ينزل به الهدى ، وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق ، وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء صفة ملك الموت وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ، ولا في الأحاديث الصحاح ، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل ، والله أعلم .
وقد قال الله تعالى : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون [ السجدة : 11 ] . وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته حتى تبلغ الحلقوم فيتناولها ملك الموت بيده ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها من يده فيلفوها في أكفان تليق بها . كما قد بسط عند قوله : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [ إبراهيم : 27 ] . ثم يصعدون بها ، فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء ، وإلا غلقت دونها ، وألقي بها إلى الأرض . قال الله تعالى : وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين [ الأنعام : 61 - 62 ] .
وعن ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد أنهم قالوا : إن الأرض بين يدي ملك الموت مثل الطست يتناول منها حيث يشاء . وقد ذكرنا أن ملائكة الموت يأتون الإنسان على حسب عمله إن كان مؤمنا أتاه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب طيبة الأرواح ، وإن كان كافرا فبالضد من ذلك عياذا بالله العظيم من ذلك .
وقد قال ابن أبي حاتم بسنده عن جعفر بن محمد قال : سمعت أبي يقول : . قال جعفر بن محمد وهو جعفر الصادق : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن . فقال ملك الموت : يا محمد طب نفسا ، وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق ، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ، ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ، حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها . هذا حديث مرسل ، وفيه نظر . وذكرنا في حديث الصور عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . الحديث بطوله ، وفيه : بلغني أنه يتصفحهم عند مواقيت الصلاة ، فإذا حضر عند الموت فإذا كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ، ودفع عنه الشيطان ، ولقنه الملك : لا إله إلا الله محمد رسول الله . في تلك الحال العظيمة . ويأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق ، فينفخ نفخة الصعق ; فيصعق أهل السماوات ، وأهل الأرض إلا من شاء الله ، فإذا هم قد خمدوا ، جاء ملك الموت إلى الجبار عز وجل ، فيقول : يا رب قد مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت . فيقول الله وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي ؟ فيقول : يا رب بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل . فيقول : ليمت جبريل وميكائيل . فينطق الله العرش فيقول : يا رب يموت جبريل وميكائيل . فيقول : اسكت فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي . فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل ، فيقول : يا رب قد مات جبريل وميكائيل فيقول الله وهو أعلم : بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقيت أنا . فيقول الله : لتمت حملة عرشي . فيموتون ، ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، ثم يأتي ملك الموت فيقول : يا رب قد مات حملة عرشك . فيقول الله وهو أعلم بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت أنا فيقول الله : أنت خلق من خلقي خلقتك لما رأيت فمت . فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الصمد الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد كان آخرا كما كان أولا
وذكر تمام الحديث بطوله . رواه الطبراني ، وابن جرير ، والبيهقي . ورواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب " الطوالات " وعنده زيادة غريبة ، وهي قوله : فيقول الله له : " أنت خلق من خلقي خلقتك لما أردت فمت موتا لا تحيا بعده أبدا " .
صفة هاروت وماروت في قول جماعة كثيرة من السلف . وقد ورد في قصتهما وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات . وروى الإمام أحمد حديثا مرفوعا ، عن ابن عمر ، وصححه ابن حبان في " تقاسيمه " ، وفي صحته عندي نظر ، والأشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمر ، ويكون مما تلقاه عن كعب الأحبار ، والله أعلم . وفيه : أنه تمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر . وعن علي ، وابن عباس ، وابن عمر أيضا : أن الزهرة كانت امرأة ، وأنهما لما طلبا منها ما ذكر ، أبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم ، فعلماها فقالته : فارتفعت إلى السماء فصارت كوكبا . وروى الحاكم في " مستدركه " عن ابن عباس قال : وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب . وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن الزهرة ، ثم قيل : كان أمرهما ، وقصتهما في زمان إدريس . وقيل : في زمان سليمان بن داود . كما حررنا ذلك في التفسير . ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن : هاروت ، وماروت ،
وبالجملة فهو خبر إسرائيلي مرجعه إلى كعب الأحبار ،
، ثم قد قيل : إن المراد بقوله : وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت [ البقرة : 102 ] . قبيلان من الجان . قاله ابن حزم ، وهذا غريب وبعيد من اللفظ . ومن الناس من قرأ : " وما أنزل على الملكين " . بالكسر ، ويجعلهما علجين من أهل فارس قاله الضحاك ، ومن الناس من يقول : هما ملكان من السماء . ولكن سبق في قدر الله لهما ما ذكره من أمرهما إن صح به الخبر ، ويكون حكمهما كحكم إبليس إن قيل : إنه من الملائكة . لكن الصحيح أنه من الجن ، .
صفة منكر ونكير وملك الجبال ومن الملائكة المسمين في الحديث : منكر ونكير عليهما السلام ، وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر . وقد أوردناها عند قوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء [ إبراهيم : 27 ] . وهما فتانا القبر ، موكلان بسؤال الميت في قبره ، عن ربه ، ودينه ، ونبيه ، ويمتحنان البر والفاجر ، وهما أزرقان أفرقان لهما أنياب وأشكال مزعجة وأصوات مفزعة . أجارنا الله من عذاب القبر ، وثبتنا بالقول الثابت آمين .
وقال البخاري : بسنده . ورواه مسلم من حديث ابن وهب به . أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته : أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا به عليك ، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا محمد . فقال : ذلك فما شئت : إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا