الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ملخص خلق آدم عليه السلام

            أخبر الله تعالى ملائكته على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه. فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فقيل: علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من قبائل يقال لها الحن والبن قبل آدم بألفي عام ، فسفكوا الدماء فبعث الله إليهم جندا من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور.

            وقد أخبرهم الله تعالى أن ثمة حكمة من ذلك وأنه سبحانه يعلم ما لا تعلمون.

            فلما أراد الله سبحانه أن يخلق آدم عليه السلام أخذ قبضة من الأرض من سهلها وحزنها أسودها وأبيضها وأحمرها فخلق منها آدم عليه السلام فجاء الخلق على ألوانها منهم الأبيض والأسود والأحمر ومنهم السهل والحزن.

            فخلقه وصوره وتركه قيل: أربعين يوما، وقيل: أربعين سنة من أعمارنا طينا طوله ستون ذراعا في السماء، ثم نفخ فيه الروح من رأسه، فلما استقرت في الجسد عطس فحمد الله تعالى فقال الله تعالى له: يرحمك الله.

            فلما خلقه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر - وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال: السلام عليكم ، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فزادوه ورحمة الله.

            فلما تم خلق آدم عليه السلام أمر الله سبحانه الملائكة بالسجود له، فسجدوا امتثالا لأمره سبحانه، وأما إبليس فأبى واستكبر وكان من الغاوين، وجنح إلى القياس الفاسد فقال أأسجد لمن خلقت طينا، وقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين.

            فلما أظهر الله سبحانه خبيئة إبليس وكبره وعجبه بنفسه لعنه وطرده من رحمته.

            وعلم الله سبحانه آدم أسماء كل شيء، علمه هذه: الخيل، والبغال، والإبل، والجن، والوحش، ثم عرض هذه الأشياء على الملائكة طالبا سبحانه إياهم على وجه الاختبار أن يذكروا أسماءها قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، فأمر الله تعالى آدم أن ينبئ الملائكة بأسماء هذه الأشياء فعلموا حينئذ فضله وما أكرمه الله تعالى به.

            وأسكن الله تعالى آدم الجنة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج ، فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها: ما أنت؟ قالت امرأة ، قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إلي ، قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ علمه: ما اسمها يا آدم ؟ قال: حواء ، قالوا: ولم سمت حواء ؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي ، فقال الله: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة.

            وقد أباح الله لهما في الجنة كل شيء إلا الشجرة التي نهاهم عنها سبحانه واختلف المفسرون في ماهية هذه الشجرة وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها ، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا.

            كما اختلفوا في الجنة التي أسكنها الله تعالى لآدم هل هي في الأرض باعتبار أنها محل الابتلاء أو في السماء ولكن غير جنة الخلد، أم هي جنة الخلد.

            فلما استقر آدم وزوجته في الجنة لم يقر لإبليس قرار حتى احتال فدخلها عليهما وقبل بل وسوس لهما من خارجها بأكل الشجرة وأخبرهما أنكما ميتان وأن الله سبحانه إنما نهاكما عن تلكما الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، فدلاهما بغرور، فأكلا منها وبدت لهما سوآتهما، ثم كان ما قص الله تعالى في كتابه العزيز من توبته على آدم ولعنه إبليس ثم أهبط الله تعالى آدم وزوجه إلى الأرض وأهبط إبليس معهما وجعل بعضهم لبعض عدوا، وكان أمر الله قدرا مقدورا، قدره الله في علمه على آدم وذريته فقدر لهم الهبوط من الجنة ولكن لم يقدر لهم المعصية ولم يأمرهم بها وإنما قدر لهم ما ترتب عليها، وهذا ما قرره العلماء في معنى حديث محاجات آدم موسى عليهما السلام، فقال ابن كثير رحمه الله تعالى: أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة . فقال له آدم : أنا لم أخرجكم ، وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج على أكلي من الشجرة ، والذي رتب ذلك ، وقدره وكتبه قبل أن أخلق هو الله عز وجل ، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلي أكثر ما أني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها ، وكون الإخراج مترتبا على ذلك ليس من فعلي ، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة ، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه ، وله الحكمة في ذلك فلهذا حج آدم موسى.

            هذا وقد تكلم العلماء على المقدار الذي مكثه آدم في الجنة وعن الساعة التي أهبط فيها من الجنة واختلفوا حول ذلك كما اختلفوا في المكان الذي أهبط فيها هل هو في مكان بين مكة والطائف يقال له دحنا أم على جبل نود في الهند، كما ذكر العلماء أن حواء لم تهبط معه في نفس الموضع وإنما أهبط في مكة وهو في الهند، كما اختلفوا في المكان الذي أهبط فيه إبليس أيضا.

            ثم تكلم العلماء عما أهبط مع آدم من الجنة من ثمارها لتزرع في الأرض، وقد نزل معه جبريل فعلمه كيف يحرث ويزرع كما علمه صنعة الحديد وكيف يوقد النار ليبدأ رحلة العمل الشاق.

            هذا وقد ذكر العلماء من بكاء آدم عليه السلام وندمه على نزوله الأرض وكيف أنه لم يقرب حواء مدة كبيرة ولم يأكل أربعين يوما إلى غير ذلك رجاء أن يتوب الله عليه ويعيده إلى الجنة.

            وقد أوحى الله تعالى إلى آدم عليه السلام ببناء الكعبة فقال له إن لي حرما حيال عرشي فانطلق ، وابن لي بيتا فيه ، ثم حف به كما رأيت ملائكتي يحفون بعرشي ، فهنالك أستجيب لك ، ولولدك من كان منهم في طاعتي. فقال آدم يا رب ، وكيف لي بذلك ! لست أقوى عليه ولا أهتدي إليه . فقيض الله ملكا فانطلق به نحو مكة حتى قدم مكة فبنى البيت من خمسة أجبل: من طور سينا، وطور زيتون، ولبنان، والجودي، وبنى قواعده من حراء، فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات، فأراه المناسك التي يفعلها الناس اليوم.

            وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه أخذ على بني آدم العهد والميثاق بربوبيته وألوهيته، وإقرارهم بذلك فقال سبحانه: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين [الأعراف: 172].

            وقد ذكر العلماء أن آدم قد ولد له أربعون ولدا من ذكر وأنثى في عشرين بطنا ذكر العلماء أسماءهم ومنهم قابيل وهابيل وشيث ...إلى غير ذلك من أسمائهم وأسماء توأمهم من النساء.

            واختلف أهل العلم هل ولد لهما بالجنة شيء من الأولاد؟ فقيل: لم يولد لهما إلا في الأرض. وقيل: بل ولد لهما فيها. فكان قابيل وأخته ممن ولد بها.

            وقد احتال إبليس على حواء وما زال بها حتى سمت ولدها بما أملاه عليها فسمته عبد الحارث وهو اسم إبليس، وكان لا يعيش لها ولد فعاش هذا بقدر الله تعالى سبحانه.

            ثم ذكر العلماء ما قصه الله تعالى من قتل أحد ولدي آدم أخاه فكان أول دم وقع في الأرض وكان على ابن آدم الأول كفل من كل دم يقع بعد ذلك، وكيف أن الله تعالى إكراما للمقتول أرسل غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه، وقد عاجل الله له العقوبة في الدنيا بأن أعاقه مع ما ينتظره يوم القيامة.

            وقد من الله تعالى على آدم بالنبوة فكان نبيا مكلما مع ما أعطاه الله تعالى من ملك الأرض.

            هذا وقد أوصى آدم ابنه شيث وجعل الأمر له من بعده، وذلك لما حضرته الوفاة، وقد جاء في وفاة آدم عليه السلام أنه راجع ملك الموت بأنه بقي من عمره ستون سنة فأخبره أنه سأل الله تعالى أن يكتبها لابنه داود عليه السلام، فقال : ما فعلت ! " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فنسي آدم فنسيت ذريته ، وجحد فجحدت ذريته فحينئذ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود

            وأكمل لآدم عمره ولداود عمره عليهما السلام، ولما مات آدم عليه السلام نزل جبريل والملائكة فغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل والملائكة وكبروا عليه أربعا ودفنوه وقالوا: هذه سنتكم يا بني آدم، وقد مات يوم الجمعة عليه السلام.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية