. احتيال إبليس في الدخول إلى الجنة لاستذلال آدم
فلما أسكن الله آدم وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كل ما أرادا من كل ثماره غير ثمرة شجرة واحدة ، ابتلاء منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما . فوسوس لهما الشيطان . وكان سبب وصوله إليهما أنه أراد دخول الجنة فمنعته الخزنة ، فأتى كل دابة من دواب الأرض وعرض نفسه عليها أنها تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته . فكل الدواب أبى عليه حتى أتى الحية ، وقال لها : أمنعك من ابن آدم ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني ، فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، وكانت كاسية على أربع قوائم من أحسن دابة خلقها الله كأنها بختية ، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها .
قال ابن عباس : اقتلوها حيث وجدتموها واخفروا ذمة عدو الله فيها .
فلما دخلت الحية الجنة خرج إبليس من فيها فناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة . فوقع ذلك في أنفسهما . ثم أتاهما فوسوس لهما وقال : يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين قول : ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين . أي : ولو أكلتما منها لصرتما كذلك : وقاسمهما . أي : حلف لهما على ذلك : إني لكما لمن الناصحين [ الأعراف : 21 ] . كما قال في الآية الأخرى : فوسوس إليه الشيطان قال ياآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى [ طه : 120 ] . أي : هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم ، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي ؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع والمقصود أن قوله : شجرة الخلد . التي إذا أكلت منها خلدت .
وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد بسنده عن أبي الضحاك ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ; شجرة الخلد
قال غندر : قلت لشعبة : هي شجرة الخلد . قال : ليس فيها هي . تفرد به الإمام أحمد .
وقوله : فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة [ الأعراف : 22 ] . كما قال في طه : فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة . وكان انفعال حواء لوسوسته أعظم ، فدعاها آدم لحاجته . فقالت : لا ، إلا أن تأتي ههنا . فلما أتى قالت : لا ! إلا أن تأكل من هذه الشجرة ، وهي الحنطة . قال : فأكلا منها ، فبدت لهما سوءاتهما ، وكان لباسهما الظفر ، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، قيل : كان ورق التين ، وكانت الشجرة من أكل منها أحدث . وذهب آدم هاربا في الجنة ، فناداه ربه : أن يا آدم مني تفر ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء منك . فقال : يا آدم ، من أين أتيت ؟ قال : من قبل حواء يا رب . فقال الله : فإن علي أن أدميها في كل شهر وأن أجعلها سفيهة ، وقد كنت خلقتها حليمة ، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها وتشرف على الموت مرارا ، قد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا ، ولولا بليتها لكان النساء لا يحضن ، ولكن حليمات ولكن يحملن يسرا ، ويضعن يسرا .
وقال الله تعالى له : لألعنن الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول بها ثمارها شوكا . ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة أفضل من الطلح والسدر .
وقال للحية : دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي ، ملعونة أنت لعنة يتحول بها قوائمك في بطنك ، ولا يكون لك رزق إلا التراب . أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك ، حيث لقيت واحدا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو : آدم ، وإبليس ، والحية . فأهبطهم إلى الأرض ، وسلب الله آدم وحواء كل ما كانا فيه من النعمة ، والكرامة . وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما يستثني: ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل .
قال ابن الجوزي: وفي هذا بعد من جهتين ، أحدهما: أن خمر الجنة لا يسكر ، لقوله تعالى: لا فيها غول .
والثاني: أنه لا يخلو أن يكون شربه مباحا له أو محظورا وقد حظره لأن الظاهر إباحته جميع ما في الجنة له سوى تلك الشجرة ومن فعل المباح لم يؤاخذ بما يؤثره ، على أن راوي هذا الحديث محمد بن إسحاق وفيه مقال .