الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            احتيال إبليس في الدخول إلى الجنة لاستذلال آدم .

            فلما أسكن الله آدم وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كل ما أرادا من كل ثماره غير ثمرة شجرة واحدة ، ابتلاء منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما . فوسوس لهما الشيطان . وكان سبب وصوله إليهما أنه أراد دخول الجنة فمنعته الخزنة ، فأتى كل دابة من دواب الأرض وعرض نفسه عليها أنها تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته . فكل الدواب أبى عليه حتى أتى الحية ، وقال لها : أمنعك من ابن آدم ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني ، فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، وكانت كاسية على أربع قوائم من أحسن دابة خلقها الله كأنها بختية ، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها .

            قال ابن عباس : اقتلوها حيث وجدتموها واخفروا ذمة عدو الله فيها .

            فلما دخلت الحية الجنة خرج إبليس من فيها فناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة . فوقع ذلك في أنفسهما . ثم أتاهما فوسوس لهما وقال : يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين قول : ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين . أي : ولو أكلتما منها لصرتما كذلك : وقاسمهما . أي : حلف لهما على ذلك : إني لكما لمن الناصحين [ الأعراف : 21 ] . كما قال في الآية الأخرى : فوسوس إليه الشيطان قال ياآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى [ طه : 120 ] . أي : هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم ، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي ؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع والمقصود أن قوله : شجرة الخلد . التي إذا أكلت منها خلدت .

            وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد بسنده عن أبي الضحاك ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ; شجرة الخلد .

            قال غندر : قلت لشعبة : هي شجرة الخلد . قال : ليس فيها هي . تفرد به الإمام أحمد .

            وقوله : فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة [ الأعراف : 22 ] . كما قال في طه : فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة . وكان انفعال حواء لوسوسته أعظم ، فدعاها آدم لحاجته . فقالت : لا ، إلا أن تأتي ههنا . فلما أتى قالت : لا ! إلا أن تأكل من هذه الشجرة ، وهي الحنطة . قال : فأكلا منها ، فبدت لهما سوءاتهما ، وكان لباسهما الظفر ، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، قيل : كان ورق التين ، وكانت الشجرة من أكل منها أحدث . وذهب آدم هاربا في الجنة ، فناداه ربه : أن يا آدم مني تفر ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء منك . فقال : يا آدم ، من أين أتيت ؟ قال : من قبل حواء يا رب . فقال الله : فإن علي أن أدميها في كل شهر وأن أجعلها سفيهة ، وقد كنت خلقتها حليمة ، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها وتشرف على الموت مرارا ، قد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا ، ولولا بليتها لكان النساء لا يحضن ، ولكن حليمات ولكن يحملن يسرا ، ويضعن يسرا .

            وقال الله تعالى له : لألعنن الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول بها ثمارها شوكا . ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة أفضل من الطلح والسدر .

            وقال للحية : دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي ، ملعونة أنت لعنة يتحول بها قوائمك في بطنك ، ولا يكون لك رزق إلا التراب . أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك ، حيث لقيت واحدا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو : آدم ، وإبليس ، والحية . فأهبطهم إلى الأرض ، وسلب الله آدم وحواء كل ما كانا فيه من النعمة ، والكرامة . وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما يستثني: ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل .

            قال ابن الجوزي: وفي هذا بعد من جهتين ، أحدهما: أن خمر الجنة لا يسكر ، لقوله تعالى: لا فيها غول .

            والثاني: أنه لا يخلو أن يكون شربه مباحا له أو محظورا وقد حظره لأن الظاهر إباحته جميع ما في الجنة له سوى تلك الشجرة ومن فعل المباح لم يؤاخذ بما يؤثره ، على أن راوي هذا الحديث محمد بن إسحاق وفيه مقال .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية