الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم أخذ آدم في البكاء إلى أن نزلت عليه التوبة :

            قال ابن عباس : بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعم الجنة مائتي سنة ، لم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة .

            عن الحسن ، قال: أهبط آدم [من] الجنة فبكى ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء ولا يلتفت إلى المرأة ولا يضع يده عليها .

            وعن وهب بن منبه ، قال: أوحى الله إلى آدم : يا آدم ما هذه الكآبة التي بوجهك والبلية التي قد أحاطت بك؟ قال: خروجي من دار البقاء إلى دار الفناء ، من دار النعم إلى دار الشقاء . قال: ثم إن آدم سجد سجدة على جبل الهند مائة عام يبكي حتى جرت دموعه في وادي سرنديب ، فأنبت الله لذلك الوادي من دموع آدم الدار صيني والقرنفل ، وجعل طير ذلك الوادي الطواويس ، ثم إن جبريل أتاه فقال: يا آدم ارفع رأسك فقد غفر لك ، فرفع رأسه وسار آدم إلى البيت ليحجه ، ويتوب عنده ، فأتى البيت فطاف أسبوعا فما أتمه حتى خاض في دموعه إلى ركبتيه ثم أتى موضع المقام وصلى فيه ركعتين ، وبكى حتى جرت دموعه على الأرض .

            قبول توبة آدم قلت: وكان السبب في قبول توبة آدم أنه تلقى كلمات فقالها فتيب عليه ، وذلك قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه .

            واختلف المفسرون في تلك الكلمات على وجوه قد ذكرناها في التفسير ، والذي نختاره من الأقوال .

            ما جاء عن مجاهد : فتلقى آدم من ربه كلمات . قال: هو قوله: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا . . . إلى آخر الآية .

            قال قتادة : تاب الله على آدم يوم عاشوراء . وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد قال : الكلمات : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين ، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين ، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم . وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه . قال : قال : آدم يا رب ألم تخلقني بيدك . قيل له : بلى . ونفخت في من روحك . قيل له : بلى . وعطست ، فقلت : يرحمك الله ، وسبقت رحمتك غضبك . قيل له : بلى . وكتبت علي أن أعمل هذا . قيل له : بلى . قال : أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ . قال : نعم . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

            وعن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي . فقال الله : فكيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد . فقال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله . فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك . فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك . قال البيهقي تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه ، وهو ضعيف ، والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية