الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            إخراج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق



            عن ابن عباس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا ، قال: ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين .

            وعن أبي بن كعب في قول الله عز وجل: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، قال: جمعهم فجعلهم أزواجا ثم صورهم واستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا ، اعلموا أنه لا إله غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتبي ، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ، فرفع عليهم آدم ينظر إليهم فرأى الغني والفقير والحسن الصورة ودون ذلك ، فقال: يا رب ألا سويت بين عبادك ، فقال: إني أحببت أن أشكر ، ورأى [ آدم ] الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور ، خصوا بميثاق أخرى في الرسالة والنبوة ، وهو قوله تعالى: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم . . . إلى قوله . . . وعيسى ابن مريم وكان في تلك الأرواح .

            أخبرنا ابن الحصين ، وعن عمر بن الخطاب ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أنه قال:

            "إن الله -عز وجل- خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح على ظهره فاستخرج [منه] ذرية ، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار [يعملون] " . فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: "إن الله -عز وجل- إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة فيدخل به الجنة ، فإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من عمل أهل النار فيدخله به النار"
            .

            وعن [ابن] عباس ، قال: لما نزلت آية الدين ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

            "إن أول من جحد آدم عليه السلام ، إن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة ، فجعل يعرض عليه ذريته ، فرأى فيهم رجلا يزهر ، فقال: أي رب من هذا؟ قال: ابنك داود ، قال: أي رب كم عمره؟ قال: ستون عاما ، قال: أي رب زد في عمره ، قال: لا إلا أن أزيده من عمرك - وكان عمر آدم ألف عام - فزاده [من عمره] أربعين عاما فكتب الله عليه بذلك كتابا ، وأشهد عليه الملائكة ، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة لتقبضه ، قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عاما ، فقيل: إنك وهبتها لابنك داود ، قال: ما فعلت ، فأبرز الله عليه الكتاب ، وأشهد عليه الملائكة"
            .

            وقد رواه الحسن بن الأشيب ، عن حماد فزاد فيه: " . . . ثم أكمل الله لآدم ألف سنة ، وأكمل لداود مائة سنة" . وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر ، وقسمتهم قسمين ; أهل اليمين ، وأهل الشمال . وقال : هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ولا أبالي . فأما الإشهاد عليهم ، واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية فلم يجئ في الأحاديث الثابتة ، وتفسير الآية التي في سورة الأعراف ، وحملها على هذا فيه نظر واستأنس القائلون بهذا القول ; وهو أخذ الميثاق على الذرية وهم الجمهور بما قال الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به . قال : فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك ما هو أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي . أخرجاه من حديث شعبة به .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية