الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            دعوة الخليل عليه السلام

            أباه آزر إلى الإيمان ، كان آزر يصنع الأصنام التي يعبدونها ويعطيها إبراهيم ليبيعها ، فكان إبراهيم يقول : من يشتري ما لا يضره وما لا ينفعه ؟ فلا يشتريها منه أحد ، وكان يأخذها ، وينطلق بها إلى نهر فيصوب رءوسها فيه ويقول : اشربي ! استهزاء بقومه . حتى فشا ذلك عنه في قومه ، غير أنه لم يبلغ خبره نمرود . فلما بدا لإبراهيم أن يدعو قومه إلى ترك ما هم عليه ويأمرهم بعبادة الله تعالى كان أول دعوته لأبيه ، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له ، كما قال تعالى : واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا [ مريم : 41 - 48 ] . يذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة ، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة ، بين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأصنام التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه ، كيف تغني عنه شيئا أو تفعل به خيرا من رزق أو نصر ؟ ثم قال منبها على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع ، وإن كان أصغر سنا من أبيه يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا . أي مستقيما واضحا سهلا حنيفا ، يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك ، فلما عرض هذا الرشد عليه ، وأهدى هذه النصيحة إليه لم يقبلها منه ، ولا أخذها عنه بل تهدده وتوعده قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك . قيل : بالمقال . وقيل : بالفعال واهجرني مليا أي واقطعني وأطل هجراني فعندها قال له إبراهيم : سلام عليك أي لا يصلك مني مكروه ، ولا ينالك مني أذى ، بل أنت سالم من ناحيتي ، وزاده خيرا فقال : سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا . قال ابن عباس وغيره : أي لطيفا . يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له ؛ ولهذا قال : وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا . وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام ، كما وعده في أدعيته ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ، كما قال تعالى : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم [ التوبة : 114 ] .

            وقال البخاري بسنده عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة . فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني . فيقول له أبوه : فاليوم لا أعصيك . فيقول إبراهيم : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون ، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد . فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال : يا إبراهيم ما تحت رجليك ، فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار . هكذا رواه في قصة إبراهيم منفردا .

            وقال تعالى : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين . هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر . وجمهور أهل النسب منهم ابن عباس على أن اسم أبيه تارح . وأهل الكتاب يقولون : تارخ بالخاء المعجمة . فقيل : إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر .

            وقال ابن جرير : والصواب أن اسمه آزر ، ولعل له اسمان علمان أو أحدهما لقب ، والآخر علم ، وهذا الذي قاله محتمل ، والله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية