الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن ، وهي الأرض المقدسة التي كان فيها ، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل ، وصحبتهم هاجر القبطية المصرية ، فنزل السبع من أرض فلسطين ، وكان إبراهيم قد اتخذ بالسبع بئرا ومسجدا وكان ماء البئر معينا طاهرا ، فآذاه أهل السبع ، فانتقل عنهم ، فنضب الماء فاتبعوه يسألونه العود إليهم ، فلم يفعل وأعطاهم سبعة أعنز ، وقال : إذا أوردتموها الماء ظهر حتى يكون معينا طاهرا فاشربوا منه ، ولا تغترف منه امرأة حائض . فخرجوا بالأعنز ، فلما وقفت على الماء ظهر إليها ، وكانوا يشربون منه ، إلى أن غرفت منه امرأة طامث فعاد الماء إلى الذي هو عليه اليوم . وأقام إبراهيم بين الرملة ، وإيليا ببلد يقال له قط أو قط . ثم إن لوطا عليه السلام نزح بما له من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور ، المعروف بغور زغر ، فنزل بمدينة سدوم ، وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان ، وكان أهلها أشرارا كفارا فجارا ، وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل يأمره أن يمد بصره ، وينظر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ، ولخلفك إلى آخر الدهر ، وسأكثر ذريتك حتى يصيروا بعدد تراب الأرض ، وهذه البشارة اتصلت بهذه الأمة ، بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة المحمدية ، يؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها . قالوا : ثم إن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه ، وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه ، فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل عليه السلام سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا ، فاستنقذ لوطا عليه السلام واسترجع أمواله ، وقتل من أعداء الله ورسوله خلقا كثيرا وهزمهم ، وساق في آثارهم حتى وصل إلى شمالي دمشق ، وعسكر بظاهرها عند برزة ، وأظن مقام إبراهيم المنسوب إليه ببرزة اليوم إنما سمي ؛ لأنه كان موضع موقف جيش الخليل ، والله أعلم . ثم رجع مؤيدا منصورا إلى بلاده ، وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين ، واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية