الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            اتخاذ الله عز وجل إبراهيم خليلا اتخذه الله خليلا ، والخلة هي غاية المحبة ، كما قال بعضهم :


            قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا

            وهكذا نال هذه المنزلة خاتم الأنبياء وسيد الرسل ؛ محمد صلوات الله وسلامه عليه ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي ، وعبد الله بن عمرو ، وابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا أيها الناس إن الله اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا . وقال أيضا في آخر خطبة خطبها أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله . أخرجاه من حديث أبي سعيد ، وثبت أيضا من حديث عبد الله بن الزبير ، وابن عباس ، وابن مسعود . وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عمرو بن ميمون قال : إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ : واتخذ الله إبراهيم خليلا . فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم . وعن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم ، وإذا بعضهم يقول : عجب أن الله اتخذ من خلقه خليلا ، فإبراهيم خليله . وقال آخر : ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما . وقال آخر : فعيسى روح الله وكلمته . وقال آخر : آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم . وقال : قد سمعت كلامكم ، وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى كليمه وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ، ولا فخر ، ألا وإني أول شافع وأول مشفع ، ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتحه الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ، ولا فخر . هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وله شواهد من وجوه أخر ، والله أعلم . وروى الحاكم في مستدركه بسنده عن ابن عباس قال : أتنكرون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . وقال ابن أبي حاتم بسنده عن إسحاق بن يسار قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعد ، كما يسمع خفقان الطير في الهواء . وقال عبيد بن عمير : كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس ، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه ، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما ، فقال : يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال : دخلتها بإذن ربها . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا . قال : من هو ، فوالله إن أخبرتني به ، ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ، ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت . قال : ذلك العبد أنت . قال : أنا ! قال : نعم . قال : فبم اتخذني ربي خليلا ؟ قال : بأنك تعطي الناس ولا تسألهم . رواه ابن أبي حاتم سبب اتخاذ إبراهيم خليلا واختلف العلماء في سبب اتخاذ إبراهيم عليه السلام خليلا على ثلاثة أقوال:

            أحدها: لإطعامه الطعام فكان لا يأكل إلا مع ضيف لسعة كرمه . وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال: لإطعامه الطعام يا محمد" .

            والثاني: أن الناس أصابتهم سنة فأقبلوا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام وكانت له ميرة من صديق له بمصر من كل سنة ، فبعث غلمانه بالإبل إلى صديقه فلم يعطهم شيئا ، فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد [جئنا بشيء] فملئوا الغرائر رملا ثم أتوا إبراهيم فأعلموه ، فاغتم إبراهيم لأجل الخلق فنام ، وجاءت سارة وهي لا تعلم ما كان ، ففتحت الغرائر فإذا دقيق حواري ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس ، فاستيقظ إبراهيم ، فقال: من أين هذا الطعام ، فقالت: من عند خليلك المصري ، قال: بل من عند خليلي الله . فيومئذ اتخذه الله خليلا . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

            والثالث: أنه اتخذه خليلا لكسره الأصنام وجداله قومه . قاله مقاتل .

            عن ابن عباس ، قال: لما اتخذ الله [إبراهيم] خليلا ونبيا كان له يومئذ ثلاثمائة عبد أعتقهم ، وأسلموا وكانوا يقاتلون معه بالعصي .

            وعن ابن عباس ، قال: أول من عمل القسي العربية إبراهيم -عليه السلام- عمل لإسماعيل قوسا ولإسحاق قوسا ، وكانوا يرمون بها ، وعلمهما الرمي . وأول من اتخذ القسي الفارسية نمرود .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية