قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا
وهكذا نال هذه المنزلة خاتم الأنبياء وسيد الرسل ؛ محمد صلوات الله وسلامه عليه ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي ، وعبد الله بن عمرو ، وابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا أيها الناس إن الله اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا . وقال أيضا في آخر خطبة خطبها أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله . أخرجاه من حديث أبي سعيد ، وثبت أيضا من حديث عبد الله بن الزبير ، وابن عباس ، وابن مسعود . وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عمرو بن ميمون قال : إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ : واتخذ الله إبراهيم خليلا . فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم . وعن ابن عباس قال : . هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وله شواهد من وجوه أخر ، والله أعلم . وروى الحاكم في مستدركه بسنده عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم ، وإذا بعضهم يقول : عجب أن الله اتخذ من خلقه خليلا ، فإبراهيم خليله . وقال آخر : ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما . وقال آخر : فعيسى روح الله وكلمته . وقال آخر : آدم اصطفاه الله . فخرج عليهم فسلم . وقال : قد سمعت كلامكم ، وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى كليمه وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ، ولا فخر ، ألا وإني أول شافع وأول مشفع ، ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتحه الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ، ولا فخر . وقال ابن أبي حاتم بسنده عن إسحاق بن يسار قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعد ، كما يسمع خفقان الطير في الهواء . وقال عبيد بن عمير : كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس ، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه ، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما ، فقال : يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني ؟ قال : دخلتها بإذن ربها . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا . قال : من هو ، فوالله إن أخبرتني به ، ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ، ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت . قال : ذلك العبد أنت . قال : أنا ! قال : نعم . قال : فبم اتخذني ربي خليلا ؟ قال : بأنك تعطي الناس ولا تسألهم . رواه ابن أبي حاتم سبب اتخاذ إبراهيم خليلا واختلف العلماء في سبب اتخاذ إبراهيم عليه السلام خليلا على ثلاثة أقوال: أتنكرون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعينأحدها: وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لإطعامه الطعام فكان لا يأكل إلا مع ضيف لسعة كرمه . "يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال: لإطعامه الطعام يا محمد" .
والثاني: أن الناس أصابتهم سنة فأقبلوا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام وكانت له ميرة من صديق له بمصر من كل سنة ، فبعث غلمانه بالإبل إلى صديقه فلم يعطهم شيئا ، فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد [جئنا بشيء] فملئوا الغرائر رملا ثم أتوا إبراهيم فأعلموه ، فاغتم إبراهيم لأجل الخلق فنام ، وجاءت سارة وهي لا تعلم ما كان ، ففتحت الغرائر فإذا دقيق حواري ، فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس ، فاستيقظ إبراهيم ، فقال: من أين هذا الطعام ، فقالت: من عند خليلك المصري ، قال: بل من عند خليلي الله . فيومئذ اتخذه الله خليلا . رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .
والثالث: أنه اتخذه خليلا لكسره الأصنام وجداله قومه . قاله مقاتل .
عن ابن عباس ، قال: لما اتخذ الله [إبراهيم] خليلا ونبيا كان له يومئذ ثلاثمائة عبد أعتقهم ، وأسلموا وكانوا يقاتلون معه بالعصي .
وعن ابن عباس ، قال: -عليه السلام- عمل لإسماعيل قوسا ولإسحاق قوسا ، وكانوا يرمون بها ، وعلمهما الرمي . وأول من اتخذ القسي الفارسية نمرود . أول من عمل القسي العربية إبراهيم