الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال وهب بن منبه: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان فشكوا ما أصابهم ، وقالوا: يا ليتنا متنا فاسترحنا مما نحن فيه ، فأوحى الله تعالى إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا ، وأي راحة لهم في الموت ، أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت ، فانطلق إلى جبانة كذا وكذا فإن فيها أربعة آلاف -قال وهب: وهم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت [2: 243]- فقم فيهم فنادهم ، وكانت عظامهم قد تفرقت ، فرقتها الطير والسباع ، فناداها حزقيل ، فقال: يا أيتها العظام ، إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمع عظام كل إنسان منهم ، ثم نادى ثانية فقال: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم ، فاكتست اللحم ، وبعد اللحم جلدا ، فكانت أجسادا ، ثم نادى الثالثة: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك ، فقاموا بإذن الله وكبروا تكبيرة واحدة .

            وقال السدي عن أشياخه: كانت قرية يقال لها داوردان وقع بها الطاعون ، فهرب عامة أهلها ، فهلك من بقي في القرية ، وسلم الآخرون ، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين ، فقال الذين سلموا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا ، لو صنعنا كما صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم .

            فوقع الطاعون من قابل ، فهرب عامة أهلها ، وهم بضعة وثلاثون ألفا ، وقيل ثلاثة آلاف ، وقيل : أربعة آلاف ، وعن ابن عباس; أنهم كانوا أربعة آلاف . وعنه : ثمانية آلاف . وعن أبي صالح : تسعة آلاف . وعن ابن عباس أيضا : كانوا أربعين ألفا . وعن سعيد بن عبد العزيز : كانوا من أهل " أذرعات " وقيل غير ذلك ، حتى نزلوا ذلك المكان ، وهو واد أفيح ، فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: موتوا ، فماتوا . جميعا ، فحظروا عليهم حظيرة دون السباع ، فمضت عليهم دهور طويلة

            فمر بهم نبي يقال له هزقيل ، فوقف عليهم وجعل يفكر فيهم ، فأوحى الله إليه: أتريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال: نعم ، فقيل له: ناد ، فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام ، ثم أوحى إليه أن ناد: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما ودما ، ثم قيل له: ناد ، فنادى يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي ، فقاموا .



            قال مجاهد: قالوا حين أحيوا: سبحانك ربنا وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، فرجعوا إلى قومهم أحياء ، سحنة الموت على وجوههم ، لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن ، حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم . وقيل : كانوا قوم حزقيل ، فلما أن ماتوا بكى حزقيل ، وقال : يا رب ، كنت في قوم يعبدونك ويذكرونك ، فبقيت وحيدا ! فقال الله : أتحب أن أحييهم ؟ قال : نعم . قال : فإني قد جعلت حياتهم إليك . فقال حزقيل : احيوا بإذن الله تعالى ، فعاشوا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية