الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وقوله : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير أي : وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء ، لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته ، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه ونكل به . يعملون له ما يشاء من محاريب وهي الأماكن الحسنة وصدور المجالس . وتماثيل وهي الصور في الجدران ، وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم . وجفان كالجواب قال ابن عباس : الجفنة كالجوبة من الأرض . وعنه : كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم . وعلى هذه الرواية يكون ( الجواب ) : جمع جابية ; وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى :

            نفى الذم عن آل المحلق جفنة كجابية السيح العراقي تفهق



            وأما القدور الراسيات ، فقال عكرمة : أثافيها منها . يعني أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن . وهكذا قال مجاهد وغير واحد . ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام ، والإحسان إلى الخلق من إنس وجان ، قال تعالى : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور وقال تعالى : والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد [ ص : 37 ، 38 ] . يعني أن منهم من قد سخره في البناء ، ومنهم من يأمره بالغوص في الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر والللآلئ ، وغير ذلك مما لا يوجد إلا هنالك . وقوله : وآخرين مقرنين في الأصفاد أي : قد عصوا فقيدوا مقرنين اثنين اثنين في الأصفاد ، وهي القيود . هذا كله من جملة ما هيأ الله وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، ولم يكن أيضا لمن كان قبله .

            عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ، فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ألعنك بلعنة الله . ثلاثا ، وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك . قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك - ثلاث مرات - ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة . فلم يستأخر - ثلاث مرات - ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة .

            وقال أحمد : حدثنا أبو عبيد صاحب سليمان ، قال : رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي ، فذهبت أمر بين يديه ، فردني ثم قال : حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه ، فقرأ فالتبست عليه القراءة ، فلما فرغ من صلاته قال : لو رأيتموني وإبليس ، فأهويت بيدي ، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها - ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد ، يتلاعب به صبيان المدينة ، فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية