وقد كان له ، عليه السلام ، من أمور الملك ، واتساع الدولة ، وكثرة الجنود وتنوعها ، ما لم يكن لأحد قبله ، ولا يعطيه الله أحدا بعده ، كما قال : وأوتينا من كل شيء وقال : رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق . ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه من النعم الكاملة العظيمة إليه ، قال : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب أي; أعط من شئت واحرم من شئت ، فلا حساب عليك ، أي : تصرف في المال كيف شئت ; فإن الله قد سوغ لك كل ما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك ، وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول ; فإن من شأنه أن لا يعطي أحدا ولا يمنع أحدا إلا بإذن الله له في ذلك .
وقد خير نبينا محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، بين هذين المقامين فاختار أن يكون عبدا رسولا . وفي بعض الروايات : أنه استشار جبريل في ذلك ، فأشار إليه أن تواضع . فاختار أن يكون عبدا رسولا ، صلوات الله وسلامه عليه . وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة ، فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة . فلله الحمد والمنة .
ولما ذكر تعالى ما وهبه لنبيه سليمان ، عليه السلام ، من خير الدنيا ، نبه على ما أعده له في الآخرة من الثواب الجزيل والأجر الجميل ، والقربة التي تقربه إليه ، والفوز العظيم والإكرام بين يديه ، وذلك يوم المعاد والحساب ، حيث قال تعالى : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب .