الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            دعاء زكريا عليه السلام

            وأنه لما كفل مريم بنت عمران بن ماثان ، وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير أوانها ، ولا في أوانها ، وهذه من كرامات الأولياء ، فعلم أن الرازق للشيء في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولدا ، وإن كان قد طعن في سنه .

            هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء وقوله : وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا قيل : المراد بالموالي العصبة ، وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله وطاعته ، فسأل وجود ولد من صلبه يكون برا تقيا مرضيا ، ولهذا قال : فهب لي من لدنك أي : من عندك بحولك وقوتك .

            الأنبياء لا تورث

            وليا يرثني أي : في النبوة والحكم في بني إسرائيل . ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يعني كما كان آباؤه وأسلافه من ذرية يعقوب أنبياء ، فاجعله مثلهم في الكرامة التي أكرمتهم بها من النبوة والوحي . وليس المراد هاهنا وراثة المال .

            قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة فهذا نص على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يورث ، ولهذا منع الصديق أن يصرف ما كان يختص به في حياته إلى أحد من وراثه الذين لولا هذا النص لصرف إليهم ، وهم : ابنته فاطمة ، وأزواجه التسع ، وعمه العباس ، رضي الله عنهم ، واحتج عليهم الصديق في منعه إياهم بهذا الحديث ، وقد وافقه على روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، وعبد الرحمن بن عوف وطلحة ، والزبير ، وأبو هريرة ، وآخرون ، رضي الله عنهم . الثاني أن الترمذي رواه بلفظ يعم سائر الأنبياء : نحن معاشر الأنبياء لا نورث وصححه . الثالث أن الدنيا كانت أحقر عند الأنبياء من أن يكنزوا لها أو يلتفتوا إليها أو يهمهم أمرها ، حتى يسألوا الأولاد ليحوزوها بعدهم ; فإن من لا يصل إلى قريب من منازلهم في الزهادة لا يهتم بهذا المقدار أن يسأل ولدا يكون وارثا له فيها .

            عمل زكريا عليه السلام

            الرابع ، أن زكريا ، عليه السلام ، كان نجارا يعمل بيده ، ويأكل من كسبها ، كما كان داود ، عليه السلام ، يأكل من كسب يده ، والغالب - ولا سيما من مثل حال الأنبياء - أنه لا يجهد نفسه في العمل إجهادا يستفضل منه مالا يكون ذخيرة له يخلفه من بعده ، وهذا أمر بين واضح لكل من تأمله بتدبر وتفهم ، إن شاء الله .

            قال الإمام أحمد : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان زكريا نجارا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية