الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال بعض الناس : هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعا . والجمهور أنه أمر قد وقع ، وقوله : واضرب لهم مثلا يعني لكفار قريش ، في عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء ، وازدرائهم بهم ، وافتخارهم عليهم كما قال تعالى : واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون [ يس : 13 ] . والمشهور أن هذين كانا رجلين مصطحبين ، وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا ، ويقال : إنه كان لكل منهما مال ، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه ، وأما الكافر فإنه اتخذ له بستانين ، وهما الجنتان المذكورتان في الآية ، على الصفة والنعت المذكور ; فيهما أعناب ، ونخل تحف تلك الأعناب والزروع في خلال ذلك ، والأنهار سارحة هاهنا وهاهنا للسقي والتنزه ، وقد استوسقت فيهما الثمار ، واضطربت فيهما الأنهار ، وابتهجت الزروع والثمار ، وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أي : وأمنع جنابا . ومراده أنه خير منه ، ومعناه ، ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الذي صرفته فيه ؟ كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي . فافتخر على صاحبه ودخل جنته وهو ظالم لنفسه أي : وهو على غير طريقة مرضية قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وذلك لما رأى من اتساع أرضها ، وكثرة مائها وحسن نبات أشجارها ; ولو قد بادت كل واحدة من هذه الأشجار لاستخلف مكانها أحسن منها ، وزروعها دارة لكثرة مياهها . ثم قال : وما أظن الساعة قائمة فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية ، وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة ، ثم قال : ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا أي : ولئن كان ثم آخرة ومعاد فلأجدن هناك خيرا من هذا . وذلك لأنه اغتر بدنياه ، واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده ، كما قال العاص بن وائل فيما قص الله من خبره وخبر خباب بن الأرت في قوله : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا [ مريم : 77 ، 78 ] . وقال تعالى إخبارا عن الإنسان إذا أنعم الله عليه ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى [ فصلت : 50 ] . قال الله تعالى : فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ [ فصلت : 50 ] . وقال قارون إنما أوتيته على علم عندي [ القصص : 78 ] . أي لعلم الله في أني أستحقه . قال الله تعالى : أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون [ القصص : 78 ] . وقال تعالى : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون [ سبأ : 37 ] . وقال تعالى : أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون [ المؤمنون : 55 ، 56 ] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية