وهذه الذي زعم قوم أنه ابن أيوب عليه السلام قصة ذي الكفل
قال الله تعالى بعد قصة أيوب في سورة الأنبياء : وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين [ الأنبياء : 85 - 86 ] . وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضا في سورة ص : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار [ ص : 45 - 48 ] . فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام . وهذا هو المشهور ، وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبيا ، وإنما كان رجلا صالحا وحكما مقسطا عادلا . وتوقف ابن جرير في ذلك فالله أعلم . وروى ابن جرير ، وابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنه لم يكن نبيا ، وإنما كان رجلا صالحا ، وكان قد تكفل لبني قومه أن يكفيه أمرهم ، ويقضي بينهم بالعدل ففعل فسمي ذا الكفل . وعن مجاهد أنه قال : لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل . فجمع الناس . فقال : من يتقبل لي بثلاث أستخلفه ؛ يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب ؟ قال : فقام رجل تزدريه العين . فقال : أنا . فقال : أنت تصوم النهار ، وتقوم الليل ، ولا تغضب ؟ قال : نعم . قال : فردهم ذلك اليوم . وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس ، وقام ذلك الرجل ، فقال : أنا . فاستخلفه ، قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان . فأعياهم ذلك ، فقال : دعوني وإياه ، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : شيخ كبير مظلوم . قال : فقام ففتح الباب فجعل يقص عليه . فقال : إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا ، وجعل يطول عليه حتى حضر الرواح ، وذهبت القائلة . وقال : إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك فانطلق ، وراح فكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره ، فقام يتبعه ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس ، وينتظره فلا يراه ، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب . فقال : من هذا ؟ فقال : الشيخ الكبير المظلوم ففتح له . فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ؟ فقال : إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا : نحن نعطيك حقك . وإذا قمت جحدوني ، قال : فانطلق فإذا رحت فأتني . قال : ففاتته القائلة فراح فجعل ينتظر فلا يراه ، وشق عليه النعاس . فقال : لبعض أهله لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإني قد شق علي النوم ، فلما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل : وراءك ، وراءك . فقال : إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري . فقال : لا ، والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه ، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدق الباب من داخل قال : فاستيقظ الرجل . فقال : يا فلان ألم آمرك ؟ قال : أما من قبلي ، والله لم تؤت فانظر من أين أتيت ؟ قال : فقام إلى الباب فإذا هو مغلق ، كما أغلقه ، وإذا الرجل معه في البيت فعرفه . فقال : أعدو الله ؟ قال : نعم . أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك فسماه الله ذا الكفل ؛ لأنه تكفل بأمر فوفى به .
وعن كنانة بن الأخنس قال : سمعت الأشعري يعني أبا موسى رضي الله عنه ، وهو على هذا المنبر يقول : ما كان ذو الكفل نبيا ، ولكن كان رجلا صالحا يصلي كل يوم مائة صلاة ، فتكفل له ذو الكفل من بعده يصلي كل يوم مائة صلاة فسمي ذا الكفل . وعن ابن عمر قال : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرار ، ولكن قد سمعته أكثر من ذلك قال : . كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت ، وبكت فقال لها ما يبكيك أكرهتك . قالت : لا ، ولكن هذا عمل لم أعمله قط ، وإنما حملتني عليه الحاجة . قال : فتفعلين هذا ، ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل . فقال : اذهبي بالدنانير لك ، ثم قال : والله لا يعصي الله الكفل أبدا . فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل