الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس ، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى ، كرجل استعمل عمالا فقال : من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ، ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ، ثم قال : من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ، ألا لكم الأجر مرتين . فغضب اليهود والنصارى فقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء ! قال الله : هل ظلمتكم من حقكم شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإنه فضلي أوتيه من شئت . وهذا الحديث فيه دليل على أن مدة هذه الأمة قصيرة ، بالنسبة إلى ما مضى من مدد الأمم قبلها; لقوله إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس .

            فالماضي لا يعلمه إلا الله كما أن الآتي لا يعلمه إلا هو ، ولكنه قصير بالنسبة إلى ما سبق ، ولا اطلاع لأحد على تحديد ما بقي إلا الله عز وجل كما قال الله تعالى لا يجليها لوقتها إلا هو [ الأعراف : 187 ] وقال يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها [ النازعات : 42 - 44 ] وما يذكره بعض الناس من الحديث المشهور عند العامة من أنه عليه السلام لا يؤلف تحت الأرض فليس له أصل في كتب الحديث ، وورد فيه حديث إن الدنيا جمعة من جمع الآخرة وفي صحته نظر . والمراد من هذا التشبيه بالعمال تفاوت أجورهم ، وأن ذلك ليس منوطا بكثرة العمل ولا قلته ، بل بأمور أخر معتبرة عند الله تعالى ، وكم من عمل قليل أجدى ما لا يجديه العمل الكثير ; هذه ليلة القدر العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها ، وهؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنفقوا في أوقات لو أنفق غيرهم من الذهب مثل أحد ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه من تمر . وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره ، وقبضه وهو ابن ثلاث وستين على المشهور وقد برز في هذه المدة - التي هي ثلاث وعشرون سنة - في العلوم النافعة والأعمال الصالحة على سائر الأنبياء قبله ، حتى على نوح الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ويعمل بطاعة الله ليلا ونهارا صباحا ومساء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين .

            فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته ، كما قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . [ الحديد : 28 ، 29 ] فضل الأمة المحمدية فضل هذه الأمة

            عن معاوية ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى "

            التالي السابق


            الخدمات العلمية