الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            هاشم : اسم فاعل من الهشم وهو كسر الشيء اليابس والأجوف. واسمه عمرو العلا، وهو منقول إما من العمر بفتح العين الذي هو من العمر بضمها أي البقاء، ذكره أبو الفتح ابن جني رحمه الله تعالى في المبهج وأنشد لأبي القماقم:

            يا رب زد من عمره في عمري واستوف مني يا إلهي نذري

            ويحكى أن عيسى بن عمر سأل عمرو بن عبيد فقال: لم سميت عمرا؟ فقال له: العمر البقاء أطال الله عمرك وعمرك. قال ابن دحية رحمه الله تعالى: إن استعمل العمر في القسم فالفتح لا غير. قال تعالى: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون .

            أو من غيره مما هو مذكور في الروض والزهر وغيرهما. وكنيته أبو نضلة ، وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه . ذلك أن أهل مكة أصابهم جهد وشدة فرحل إلى فلسطين فاشترى منها دقيقا كثيرا وكعكا وقدم بذلك إلى مكة فأمر به فخبز ثم نحر جزورا وجعلها ثريدا عم به أهل مكة ، ولا زال يفعل ذلك حتى استكفوا.

            وهو أول من سن الرحلتين، رحلة الشتاء إلى الحبشة ورحلة الصيف إلى الشام .

            قال الرشاطي : كانت قريش تجارتهم لا تعدو مكة ، وكانت الأعاجم تقدم عليهم بالسلع فيشترون منهم، حتى ركب هاشم إلى الشام فنزل بقيصر وكان كل يوم يذبح شاة فيصنع جفنة ثريد ويدعو من حوله فيأكلون فذكر ذلك لقيصر أن ها هنا رجلا من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق ويفرغ عليه اللحم، وإنما كانت العجم تضع المرق في الصحاف ثم تأتدم عليه بالخبز، فدعا به قيصر وكلمه فأعجبه كلامه وأعجب به وجعل يرسل إليه ويدخل عليه، فلما رأى مكانه منه قال: أيها الملك إن لي قوما وهم تجار العرب فإن رأيت أن تكتب لي كتابا تؤمنهم وتؤمن تجارتهم فيقدموا عليك بما يستظرف من أدم الحجاز وثيابه فيمكنوا من بيعه عندكم فهو أرخص عليكم. فكتب له كتاب أمان لمن أتى منهم فأقبل هاشم بالكتاب فجعل كلما مر بحي من العرب على طريق الشام أخذ لهم من أشرافهم إيلافا، والإيلاف أن يأمنوا عندهم وفي طريقهم وأرضهم بغير حلف، إنما هو أمان الطريق، فأخذ هاشم الإيلاف فيمن بينه وبين الشام حتى قدم مكة فأعطاهم الكتاب، فكان ذلك أعظم بركة. ثم خرجوا بتجارة عظيمة وخرج هاشم معهم يجوزهم ويوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب ، فلم يبرح يجمع بينهم وبين العرب حتى ورد الشام. ومات في تلك السفرة بغزة. فهذا سبب تسميته بهاشم.

            كذا قاله الرشاطي رحمه الله تعالى. وما ذكرناه في سبب تسميته هاشما هو المشهور.

            ولا مانع أن يكون سمي ببلاد مكة هاشما لما تقدم، وببلاد قيصر كذلك. والله تعالى أعلم. قال ابن الكلبي : كان هاشم أكبر ولد عبد مناف ، والمطلب أصغرهم ، أمه عاتكة بنت مرة السلمية ، ونوفل ، وأمه واقدة ، وعبد شمس ، فسادوا كلهم ، وكان يقال لهم المجبرون . وهم أول من أخذ لقريش العصم ، فانتشروا من الحرم ، أخذ لهم هاشم حبلا من الروم وغسان بالشام ، وأخذ لهم عبد شمس حبلا من النجاشي بالحبشة ، وأخذ لهم نوفل حبلا من الأكاسرة بالعراق ، وأخذ لهم المطلب حبلا من حمير باليمن ، فاختلفت قريش بهذا السبب إلى هذه النواحي ، فجبر الله بهم قريشا .

            وقيل : إن عبد شمس وهاشما توأمان ، وإن أحدهما ولد قبل الآخر وإصبع له ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت ، فسال الدم ، فقيل يكون بينهما دم .

            وولي هاشم بعد أبيه عبد مناف ما كان إليه من السقاية والرفادة ، فحسده أمية بن عبد شمس على رياسته ولإطعامه ، فتكلف أن يصنع صنيع هاشم ، فعجز عنه ، فشمت به ناس من قريش ، فغضب ونال من هاشم ودعاه إلى المنافرة ، فكره هاشم ذلك لسنه وقدره ، فلم تدعه قريش حتى نافره على خمسين ناقة والجلاء عن مكة عشر سنين ، فرضي أمية وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي ، وهو جد عمرو بن الحمق ، ومنزله بعسفان .

            وكان مع أمية همهمة بن عبد العزى الفهري ، وكانت ابنته عند أمية ، فقال الكاهن : " والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر ، وما بالجو من طائر ، وما اهتدى بعلم مسافر ، من منجد وغائر ، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر ، أول منه وآخر ، وأبو همهمة بذلك خابر " . فقضى لهاشم بالغلبة ، وأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها ، وغاب أمية عن مكة بالشام عشر سنين . فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية .

            وكان يقال لهاشم والمطلب البدران لجمالهما .

            ومات هاشم بغزة وله عشرون سنة ، وقيل : خمس وعشرون سنة .

            وهو أول من مات من بني عبد مناف ثم مات عبد شمس بمكة فقبر بأجياد . ثم مات ، نوفل بسلمان من طريق العراق . ثم مات المطلب بردمان من أرض اليمن وكانت الرفادة والسقاية بعد هاشم إلى أخيه المطلب لصغر ابنه عبد المطلب بن هاشم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية