الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال ابن إسحاق : ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد ابنه عبد الله فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهي أم قنال أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهي عند الكعبة فنظرت إلى وجهه فقالت : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن . قال : أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه . فخرج به عبد الله حتى أتى وهب بن عبد مناف فزوجه ابنته ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت بالأمس ؟ قالت له : فارقك النور الذي كان معك بالأمس ، فليس لي بك اليوم حاجة . وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر ، واتبع الكتب - أنه كائن في هذه الأمة نبي فطمعت أن يكون منها فجعله الله تعالى في أشرف عنصر وأكرم محتد ، وأطيب أصل ، كما قال تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] وسنذكر المولد مفصلا .

            ومما قالت أم قنال بنت نوفل من الشعر تتأسف على ما فاتها من الأمر الذي رامته ، وذلك فيما رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رحمه الله :


            عليك بآل زهرة حيث كانوا وآمنة التي حملت غلاما     ترى المهدي حين نزا عليها
            ونورا قد تقدمه أماما

            إلى أن قالت


            فكل الخلق يرجوه جميعا     يسود الناس مهتديا إماما


            براه الله من نور صفاء     فأذهب نوره عنا الظلاما
            وذلك صنع ربك إذ حباه     إذا ما سار يوما أو أقاما


            فيهدي أهل مكة بعد كفر     ويفرض بعد ذلكم الصياما

            وقال أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي : حدثنا علي بن حرب حدثنا محمد بن عمارة القرشي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : لما انطلق عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوجه مر به على كاهنة من أهل تبالة متهودة قد قرأت الكتب يقال لها : فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت : يا فتى هل لك أن تقع علي الآن ، وأعطيك مائة من الإبل . فقال عبد الله :


            أما الحرام فالممات دونه     والحل لا حل فأستبينه
            فكيف بالأمر الذي تبغينه     يحمي الكريم عرضه ودينه

            ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فأقام عندها ثلاثا ، ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته إليه الكاهنة فأتاها فقالت : ما صنعت بعدي ؟ فأخبرها فقالت : والله ما أنا بصاحبة ريبة ، ولكني رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون في ، وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد ، ثم أنشأت فاطمة تقول :


            إني رأيت مخيلة لمعت     فتلألأت بحناتم القطر
            فلمأتها نورا يضيء له     ما حوله كإضاءة البدر
            ورجوتها فخرا أبوء به     ما كل قادح زنده يوري
            لله ما زهرية سلبت     ثوبيك ما استلبت وما تدري

            وقالت فاطمة أيضا :


            بني هاشم قد غادرت من أخيكم     أمينة إذ للباه يعتركان
            كما غادر المصباح عند خموده     فتائل قد ميثت له بدهان
            وما كل ما يحوي الفتى من تلاده     بحزم ولا ما فاته لتواني
            فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه     سيكفيكه جدان يعتلجان
            سيكفيكه إما يد مقفعلة     وإما يد مبسوطة ببنان
            ولما حوت منه أمينة ما حوت     حوت منه فخرا ما لذلك ثان

            .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية