الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر رضاعه عليه الصلاة والسلام

            من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ،

            وما ظهر عليه من البركة ، وآيات النبوة

            قال محمد بن إسحاق : واسترضع له عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب ، واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر . قال : واسم أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرضعه - يعني زوج حليمة - الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن ، وإخوته عليه الصلاة والسلام - يعني من الرضاعة - عبد الله بن الحارث ، وأنيسة بنت الحارث ، وحذافة بنت الحارث وهي الشيماء ، وذكروا أنها كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذ كان عندهم .

            قال ابن إسحاق حدثني جهم بن أبي جهم مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب ، ويقال له : مولى الحارث بن حاطب قال : حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال : حدثت عن حليمة ابنة الحارث أنها قالت : قدمت مكة في نسوة - وذكر الواقدي بإسناده أنهن كن عشر نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن بها الرضعاء - من بني سعد نلتمس بها الرضعاء ، وفي سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء ، كانت أذمت بالركب ، ومعي صبي لنا ، وشارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلتنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك ، ما نجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه ، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل : إنه يتيم تركناه ، وقلنا : ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه ؟ إنما نرجو المعروف من أبي الولد فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا ؟ فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري فلما لم نجد غيره ،

            وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى : والله وإني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع ، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . فقال : لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي ، وشرب أخوه حتى روي ، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب ما شرب ، وشربت حتى روينا فبتنا بخير ليلة فقال صاحبي حين أصبحنا : يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة; ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه ! فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا ، ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار حتى إن صواحبي ليقلن : ويلك يا بنت أبي ذؤيب هذه أتانك التي خرجت عليها معنا ؟ فأقول : نعم والله إنها لهي فيقلن : والله إن لها لشأنا حتى قدمنا أرض بني سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ، ثم تروح شباعا لبنا ، فنحلب ما شئنا وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن ، وإن أغنامهم لتروح جياعا حتى إنهم ليقولون لرعاتهم أو لرعيانهم ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فاسرحوا معهم فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن ، وتروح أغنامي شباعا لبنا نحلب ما شئنا فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتيه فكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه ، ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة .

            فلما رأته أمه قلنا لها : يا ظئر دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى فإنا نخشى عليه وباء مكة فوالله ما زلنا بها حتى قالت : فنعم فسرحته معنا

            التالي السابق


            الخدمات العلمية