الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            حديث إسلام سالمان الفارسي إسلام سلمان رضي الله عنه

            [ كان سلمان مجوسيا ، فمر بكنيسة فتطلع إلى النصرانية ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبد الله بن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسي ، وأنا أسمع من فيه ، قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي ، وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه ، لم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها ، لا يتركها تخبو ساعة . قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيان له يوما ، فقال لي : يا بني ، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب إليها فاطلعها . وأمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، وشغلتني عن كل شيء من أمري .

            قال : فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس ، لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي فلم آتها ؛ ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام . فرجعت إلى أبي ، وقد بعث في طلبي ، وشغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ أولم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال : قلت له : يا أبت ، مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ؛ قال : أي بني ، ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه ؛ قال : قلت له : كلا والله ، إنه لخير من ديننا . قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته وبعثت إلى النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني . قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة قال : فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك وأخدمك في كنيستك وأتعلم منك فأصلي معك . قال : ادخل فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا له شيئا منها كنزه لنفسه ، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب ، وورق قال : وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات ، واجتمعت له النصارى ليدفنوه فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا قال : فقالوا لي : وما علمك بذلك ؟ قال : فقلت لهم : أنا أدلكم على كنزه قالوا : فدلنا قال : فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا : لا ندفنه أبدا قال : فصلبوه ورجموه بالحجارة ، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه . قال : يقول سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا ، قال : فأحببته حبا لم أحب شيئا قبله مثله .

            قال : فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة فقلت له : إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى فإلى من توصي بي وبم تأمرني به ؟ قال : أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه ، إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به قال : فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب الموصل فقلت : يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره فقال لي أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك ، وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وبم تأمرني ؟ قال : يا بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبري وما أمرني به صاحباي فقال : أقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له : يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ، وبم تأمرني ؟ قال : يا بني والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فائته فإنه على أمرنا .

            فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري فقال : أقم عندي فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم . قال : واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة . قال : ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وبم تأمرني ؟ قال : أي بني والله ما أعلمه أصبح أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك أن تأتيه ، ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب . مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى; يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية