الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر ابتداء الوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم

            قالت عائشة - رضي الله عنها : كان أول ما ابتدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة ، كانت تجيء مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان بغار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها ، حتى فجأة الحق ، فأتاه جبرائيل فقال : يا محمد أنت رسول الله . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فجثوت لركبتي ثم رجعت ترجف بوادري ، فدخلت على خديجة فقلت : زملوني زملوني ! ثم ذهب عني الروع ، ثم أتاني فقال : يا محمد أنت رسول الله . قال : فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق ، فتبدى لي حين هممت بذلك فقال : يا محمد أنا جبرائيل وأنت رسول الله ، قال : اقرأ . قلت : وما أقرأ ؟ قال : فأخذني فغتني ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد ، ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ، فقرأت . فأتيت خديجة ، فقلت : لقد أشفقت على نفسي ، وأخبرتها خبري ، فقالت : أبشر ، فوالله لا يخزيك الله أبدا ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتؤدي الأمانة ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل ، وهو ابن عمها ، وكان قد تنصر ، وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فقالت : اسمع من ابن أخيك . فسألني فأخبرته خبري . فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى بن عمران ، ليتني كنت حيا حين يخرجك قومك . قلت : أمخرجي هم ؟ قال : نعم ، إنه لم يجئ أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ، ولئن أدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا . وقال ورقة في ذلك أشعارا منها قوله :


            يا للرجال وصرف الدهر والقدر وما لشيء قضاه الله من غير     حتى خديجة تدعوني لأخبرها
            أمرا أراه سيأتي الناس من أخر     وخبرتني بأمر قد سمعت به
            فيما مضى من قديم الدهر والعصر     بأن أحمد يأتيه ويخبره
            جبريل أنك مبعوث إلى البشر     فقلت عل الذي ترجين ينجزه
            لك الإله فرجي الخير وانتظري     وأرسليه إلينا كي نسائله
            عن أمره ما يرى في النوم والسهر     فقال حين أتانا منطقا عجبا
            يقف منه أعالي الجلد والشعر     إني رأيت أمين الله واجهني
            في صورة أكملت من أعظم الصور     ثم استمر فكاد الخوف يذعرني
            مما يسلم من حولي من الشجر     فقلت ظني وما أدري أيصدقني
            أن سوف تبعث تتلو منزل السور     وسوف أنبيك إن أعلنت دعوتهم
            من الجهاد بلا من ولا كدر .

            وقوله :

            فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي     حديثك إيانا فأحمد مرسل
            وجبريل يأتيه وميكال معهما     من الله وحي يشرح الصدر منزل
            يفوز به من فاز فيها بتوبة     ويشقى به الغالي القوي المضلل
            فريقان منهم فرقة في جنانه     وأخرى بأحواز الجحيم تعلل
            فسبحان من تهوي الرياح بأمره     ومن هو في الأيام ما شاء يفعل
            ومن عرشه فوق السماوات كلها     وأقضاؤه في خلقه لا تبدل

            وقال ابن إسحاق : ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان ، بقول الله عز وجل : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .

            وقال الله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر

            وقال الله تعالى : حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين .

            وقال تعالى : إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر .

            قال ابن إسحاق : وحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة ، صبيحة سبع عشرة من رمضان .

            قال ابن إسحاق : ثم تتام الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه ، قد قبله بقبوله ، وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم ، والنبوة أثقال ومؤنة ، لا يحملها ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه ، لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى . قال : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله ، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية