قال ابن إسحاق : وحدثني حسين بن عبد الله : أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة بن ربيعة ، حين فارق قومه ، وظاهر عليهم قريشا ، فقال : يا بنت عتبة ؛ هل نصرت اللات والعزى ، وفارقت من فارقهما وظاهر عليهما ؟ قالت : نعم ، فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة
قال ابن إسحاق : وحدثت أنه كان يقول في بعض ما يقول : يعدني محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت ، فماذا وضع في يدي بعد ذلك ، ثم ينفخ في يديه ويقول : تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد . فأنزل الله تعالى فيه تبت يدا أبي لهب وتب قال ابن هشام : تبت : خسرت . والتباب : الخسران . قال حبيب بن خدرة الخارجي : أحد بني هلال بن عامر بن صعصعة :
:
يا طيب إنا في معشر ذهبت مسعاتهم في التبار والتبب
وهذا البيت في قصيدة له . وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما : وأنذر عشيرتك الأقربين صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي : يا بني فهر ، يا بني عدي لبطون من قريش ، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا : نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال : فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا! تبت ، فأنزل الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم يدا أبي لهب ، وتب . ووما كان يفعله عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب ، أنه كان شديدا عليه وعلى المسلمين ، عظيم التكذيب له ، دائم الأذى ، فكان يطرح العذرة والنتن على باب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان جاره ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أي جوار هذا يا بني عبد المطلب ! فرآه يوما حمزة فأخذ العذرة وطرحها على رأس أبي لهب فجعل ينفضها عن رأسه ويقول : " صاحبي أحمق ! " وأقصر عما كان يفعله ، لكنه يضع من يفعل ذلك . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت [ ما أنزل الله تعالى في أبي لهب ] ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه من الأذى
فجعلت قريش حين منعه الله منها ، وقام عمه وقومه من بني هاشم ، وبني المطلب دونه ، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به ، يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه ، وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم ، وفيمن نصب لعداوته منهم ، ومنهم من سمي لنا ، ومنهم من نزل فيه القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار ، فكان ممن سمي لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب بن عبد المطلب وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية ، حمالة الحطب ، وإنما سماها الله تعالى حمالة الحطب ، لأنها كانت - فيما بلغني - تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يمر ، فأنزل الله تعالى فيهما : تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد
قال ابن هشام : الجيد : العنق . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
:
يوم تبدى لنا قتيلة عن جيد أسيل تزينه الأطواق
:
مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد
قال ابن إسحاق : فذكر لي : أن أم جميل : حمالة الحطب ، حين سمعت ما نزل فيها ، وفي زوجها من القرآن ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فهر من حجارة ، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا ترى إلا أبا بكر ، فقالت : يا أبا بكر : أين صاحبك ، فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، أما والله إني لشاعرة ، ثم قالت :
:
مذمما عصينا وأمره أبينا
ودينه قلينا
ثم انصرفت ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أما تراها رأتك ؟ فقال : ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني .قال ابن هشام : قولها ودينه قلينا عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ، ثم يسبونه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش ، يسبون ويهجون مذمما ، وأنا محمد