الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أمر وفد النصارى الذين أسلموا

            [ محاولة أبي جهل ردهم عن الإسلام وإخفاقه ]

            قال ابن إسحاق : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بمكة ، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ؛ فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن . فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله ، وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده ، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ، ما نعلم ركبا أحمق منكم . أو كما قالوا . فقالوا لهم : سلام عليكم ، لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا [ مواطنهم وما نزل فيهم من القرآن ]

            ويقال : إن النفر من النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أي ذلك كان . فيقال - والله أعلم - فيهم نزلت هؤلاء الآيات الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين إلى قوله لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين

            قال ابن إسحاق : وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن فقال لي : ما أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه . والآية من سورة المائدة من قوله : ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون إلى قوله : فاكتبنا مع الشاهدين [ تهكم المشركين بمن من الله عليهم ، ونزول آيات في ذلك ]

            قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد ، فجلس إليه المستضعفون من أصحابه خباب ، وعمار ، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث ، وصهيب ، وأشباههم من المسلمين ، هزئت بهم قريش ، وقال بعضهم لبعض : هؤلاء أصحابه كما ترون ، أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه ، وما خصهم الله به دوننا . فأنزل الله تعالى فيهم : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم . [ ادعاء المشركين على النبي بتعليم جبر له ، وما أنزل الله في ذلك ]

            وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني يقال له : جبر ، عبد لبني الحضرمي ، فكانوا يقولون : والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بني الحضرمي .

            فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين

            قال ابن هشام : يلحدون إليه : يميلون إليه . والإلحاد : الميل عن الحق .

            قال رؤبة بن العجاج :


            إذا تبع الضحاك كل ملحد

            قال ابن هشام : يعني الضحاك الخارجي ، وهذا البيت : أرجوزة له .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية