الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            إرادة شأس بن قيس إيقاع الفتنة بين الأوس والخزرج لما رأى كلمتهم مجتمعة

            روى ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن زيد بن أسلم مطولا ، والفريابي وابن جرير وغيرهما عن ابن عباس مختصرا ، وابن المنذر عن عكرمة ، وابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي كذلك واللفظ للأول ، قال : كان شأس بن قيس شيخا قد عسا ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، فمر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية . فلما أن جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم . فقال : "لقد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار" . فأمر فتى شابا من يهود كان معه فقال : "اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار .

            ففعل ، فأنشدهم بعض ما قاله أحد الحيين في حربهم ، فكأنهم دخلهم من ذلك [شيء] فقال الحي الآخرون : وقد قال شاعرنا في يوم كذا : كذا وكذا [فقال الآخرون : وقد قال شاعرنا في يوم كذا : كذا وكذا . فتكلم القوم عند ذلك ، وتنازعوا وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيين : أوس بن قيظي [أحد بني حارثة بن الحارث] من الأوس ، وجبار بن صخر [أحد بني سلمة] من الخزرج ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : "إن شئتم رددناها الآن جذعة" . فغضب الفريقان جميعا ، وقالوا : "قد فعلنا ، موعدكم الظاهرة- والظاهرة : الحرة- السلاح السلاح" .

            فخرجوا إليها . [فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية] .

            فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم

            فقال : "يا معشر المسلمين : الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألف به بينكم ، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا" ؟

            فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان ، وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا ، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم : عدو الله شأس بن قيس ، فأنزل الله تعالى : قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون . قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون [آل عمران 98 ، 99] .

            وأنزل الله في أوس بن قيظي ، وجبار بن صخر ، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ما أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية : يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين . وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم [آل عمران 100 ، 101]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية