سحرهم إياه صلى الله عليه وسلم
روى الشيخان والإسماعيلي ، وابن مردويه ، والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ، والإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، والنسائي عن زيد بن أرقم ، وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، وابن سعد ، والبيهقي ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وابن سعد عن عمر بن الحكم مرسلا ، قال عمر بن الحكم : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ، ودخل المحرم سنة سبع ، جاءت رؤساء يهود [الذين بقوا في المدينة ممن يظهر الإسلام وهو منافق] إلى لبيد بن الأعصم ، وكان حليفا في بني زريق ، وكان ساحرا [قد علمت ذلك يهود أنه أعلمهم بالسحر وبالسموم] فقالوا له : يا أبا الأعصم أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا ، وأنت ترى أثره فينا ، وخلافه ديننا ، ومن قتل منا وأجلى ، ونحن نجعل لك على ذلك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه ، فجعلوا له ثلاثة دنانير على أن يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقالت عائشة رضي الله عنها في رواية عبد الله بن عمير : وفي رواية ابن عيينة : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق . رجل من بني زريق حليف يهود وكان منافقا . وفي حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند ابن سعد : إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد ، وكن أسحر من لبيد وأخبث ، وكان لبيد هو الذي ذهب به فأدخله تحت راعوفة البئر ، فلما عقدوا تلك العقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة بصره ، ودس بنات أعصم إحداهن ، فدخلت على عائشة رضي الله عنها ، [فخبرتها عائشة أو سمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره] ثم خرجت إلى أخواتها [وإلى لبيد] ف?أخبرتهم بذلك . فقالت إحداهن : "إن يكن نبيا فسيخبر ، وإن يك غير ذلك فسوف يدلهه هذا السحر حتى يذهب عقله" .
وفي رواية في الصحيح [عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال سفيان : وهذا شر ما يكون إذا كان كذا . "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر] حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" .
وفي مرسل يحيى بن يعمر عن عبد الرزاق : حتى أنكر بصره ، فدخل عليه أصحابه يعودونه فخرجوا من عنده وهم يرون أنه لما به [مطبوب] . وفي رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي : وفي رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي : فكان يذوب وما يدري ما وجعه فاشتكى لذلك أياما . مكث أربعين ليلة . وفي رواية وهيب عند الإمام أحمد : وفي حديث ابن عباس : ستة أشهر ، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله عز وجل ثم دعا ثم قال : "يا عائشة ، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟" قلت : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : "أتاني رجلان -
قال : فبماذا؟ قال : "في مشط ومشاطة- وفي لفظ : مشط ومشاقة وجف طلع نخلة ذكر" . جبريل وميكائيل- فقعد أحدهما عند رأسي- قال الدمياطي : هو جبريل- والآخر عند رجلي . ثم قال أحدهما لصاحبه- وفي حديث ابن عباس : فقال ميكائيل : يا جبريل ، إن صاحبك شاك . قال : أجل . قال : وما وجع الرجل؟ فقال : مطبوب . قال : ومن طبه؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي .
وفي حديث عائشة من طريق ابن عيينة ، "فقال الذين عند رأسي" . قال الحافظ : "وكأنها أصوب" . وفي حديث ابن عباس عند البيهقي قال : وفي لفظ : بئر ذروان- وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه : وأين هو؟ قال : في بئر ذي أروان- وهو بئر ميمون في كدية تحت صخرة في الماء . قال : فما دواء ذلك؟ قال : تنزح البئر ، ثم تقلب الصخرة فتؤخذ الكدية فيها مثال إحدى عشرة عقدة فتحرق ، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا .
وفي حديث آخر :
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال .
قالت عائشة : فلما رجع قال : "لكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها الذي يشرب ماءها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين" . قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال : "لا" - ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر ، فنظر إليها ، وعليها نخل ، فدخل رجل فاستخرج جف طلعة [ذكر] من تحت الراعوفة ، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر ، فنزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين : سورة الفلق وسورة الناس [وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد ، وأمر أن يتعوذ بهما] فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها ألما ويجد بعدها راحة .
وفي رواية من حديث عائشة في الصحيح وغيره : - وفي رواية : فقلت يا رسول الله : أفلا- قال سفيان : أي تنشرت- فقال : "أما والله" . "أما أنا فقد عافاني الله وشفاني ، وخشيت أن أثور- وفي رواية أثير- على الناس منه شرا" . وفي رواية : وأمر بها فدفنت . فقيل : يا رسول الله لو قتلته فقال : "ما وراءه من عذاب أشد" تنبيهات:... فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف ، فعفا عنه ولم يقتله .
الخامس : لبيد- بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة ثم مهملة- ابن الأعصم بوزن أحمر بمهملتين- وصف في رواية بأنه من يهود بني زريق . وفي رواية [أخرى] بأنه رجل من بني زريق حليف يهود ، وكان منافقا . ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ، ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره . قال أبو الفرج : وهذا يدل على أنه أسلم نفاقا ، وهو واضح .
السادس : في مدة مكثه صلى الله عليه وسلم مسحورا : وقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم مكث أربعين ليلة . وفي رواية وهيب عن هشام عند الإمام أحمد ستة أشهر .
ويمكن الجمع بينهما بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه ، والأربعون يوما من استحكامه .
قال السهيلي : لم أقف على شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث صلى الله عليه وسلم فيها من السحر ، حتى ظفرت به في جامع معمر [بن راشد] عن الزهري قال : "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة [يخيل إليه أنه يفعل الفعل ولا يفعله] . وقد وجدناه موصولا بإسناد صحيح ، فهو المعتمد .
السابع : قوله : "فدعا الله عز وجل ، ثم دعا الله عز وجل" : قال الإمام النووي : "فيه وحسن الالتجاء إلى الله تعالى في رفع ذلك" . قال الحافظ : "سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القضية مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب ، ففي أول الأمر فوض وسلم لأمر ربه ، واحتسب الأجر في صبره على بلائه . ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعف عن عبادته جنح إلى التداوي ثم إلى الدعاء . وكل من المقامين غاية "في الكمال" . استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات وتكريره ،
الثامن : وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد : وفي رواية عائشة في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليا وعمارا لاستخراج السحر . أنه صلى الله عليه وسلم توجه إلى البئر مع جماعة . وعن
ابن سعد عن عمر بن الحكم مرسلا : قال ابن سعد : ويقال : إن الذي استخرج السحر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن محصن الزرقي . ويجمع بأنه أعان جبيرا على ذلك وباشره بنفسه ، فنسب إليه . حكمه صلى الله عليه وسلم في الساحر "فدعا جبير بن إياس الزرقي فدله على موضعه في بئر ذروان تحت أرعوفة البئر ، فخرج جبير حتى استخرجه .
في الترمذي : عنه صلى الله عليه وسلم : ضربة بالسيف حد الساحر . والصحيح أنه موقوف على جندب بن عبد الله .
وصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقتله ، وصح عن حفصة رضي الله عنها ، أنها قتلت مدبرة سحرتها ، فأنكر عليها عثمان إذ فعلته دون أمره . وروي عن عائشة رضي الله عنها أيضا أنها قتلت مدبرة سحرتها ، وروي أنها باعتها ، ذكره ابن المنذر وغيره .
وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من سحره من اليهود ، فأخذ بهذا الشافعي ، وأبو حنيفة - رحمهما الله - ، وأما مالك ، وأحمد - رحمهما الله - ، فإنهما يقتلانه ، ولكن منصوص أحمد - رحمه الله - أن لا يقتل ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل لبيد بن الأعصم اليهودي حين سحره ، ومن قال بقتل ساحرهم يجيب عن هذا بأنه لم يقر ، ولم يقم عليه بينة ، وبأنه خشي صلى الله عليه وسلم أن يثير على الناس شرا بترك إخراج السحر من البئر ، فكيف لو قتله . ساحر أهل الذمة