الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            إسلام عمير بن وهب

            [ صفوان يحرضه على قتل الرسول ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال : جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير ، وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش ، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويلقون منه عناء وهو بمكة ، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر .

            قال ابن هشام : أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق .

            قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، قال : فذكر أصحاب القليب ومصابهم ، فقال صفوان : والله إن في العيش بعدهم خير ، قال له عمير : صدقت والله ، أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي ، لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لي قبلهم علة : ابني أسير في أيديهم ، قال : فاغتنمها صفوان وقال : علي دينك ، أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا ، لا يسعني شيء ويعجز عنهم ، فقال له عمير : فاكتم شأني وشأنك ، قال : أفعل . [ رؤية عمر له وإخباره الرسول بأمره ]

            قال : ثم أمر عمير بسيفه ، فشحذ له وسم ، ثم انطلق حتى قدم المدينة ، فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ، ويذكرون ما أكرمهم الله به ، وما أراهم من عدوهم ، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف ، فقال : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ، والله ما جاء إلا لشر ، وهو الذي حرش بيننا ، وحزرنا للقوم يوم بدر . ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه ، قال : فأدخله علي ، قال : فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها ، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده ، واحذروا عليه من هذا الخبيث ، فإنه غير مأمون ، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ الرسول يحدثه بما بيته هو وصفوان فيسلم ]

            فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه ، قال : أرسله يا عمر ، ادن يا عمير ، فدنا ثم قال : انعموا صباحا ، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام : تحية أهل الجنة : فقال : أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد ، قال : فما جاء بك يا عمير ؟ قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه ، قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال : قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شيئا ؟ قال : اصدقني ، ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لذلك ، قال : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر ، فذكرتما أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت : لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا ، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك ، على أن تقتلني له ، والله حائل بينك وبين ذلك ؛ قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني للإسلام ، وساقني هذا المساق ، ثم شهد شهادة الحق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقهوا أخاكم في دينه . وأقرئوه القرآن ، وأطلقوا له أسيره ، ففعلوا . [ رجوعه إلى مكة يدعو إلى الإسلام ]

            ثم قال : يا رسول الله ، إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل ، وأنا أحب أن تأذن لي ، فأقدم مكة ، فأدعوهم إلى الله تعالى ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلى الإسلام ، لعل الله يهديهم ، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم ؟ قال : فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلحق بمكة . وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب ، يقول : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام ، تنسيكم وقعة بدر ، وكان صفوان يسأل عنه الركبان ، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه ، فحلف أن لا يكلمه أبدا ، ولا ينفعه بنفع أبدا .

            قال ابن إسحاق : فلما قدم عمير مكة ، أقام بها يدعو إلى الإسلام ، ويؤذي من خالفه أذى شديدا ، فأسلم على يديه ناس كثير . [ هو أو ابن هشام الذي رأى إبليس وما نزل فيه ]

            قال ابن إسحاق : وعمير بن وهب ، أو الحارث بن هشام ، قد ذكر لي أحدهما ، الذي رأى إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر ، فقال : أين ، أي سراقة ؟ ومثل عدو الله فذهب ، فأنزل الله تعالى فيه . وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فذكر استدراج إبليس إياهم ، وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم ، حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم .

            يقول الله تعالى : فلما تراءت الفئتان ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة ، قد أيد الله بهم رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون وصدق عدو الله ، رأى ما لم يروا ، وقال : إني أخاف الله والله شديد العقاب فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه ، حتى إذا كان يوم بدر ، والتقى الجمعان نكص على عقبيه ، فأوردهم ثم أسلمهم .

            [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]

            قال ابن هشام : نكص : رجع . قال أوس بن حجر ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم : :


            نكصتم على أعقابكم يوم جئتم تزجون أنفال الخميس العرمرم

            وهذا البيت في قصيدة له . [ شعر لحسان في الفخر بقومه وما كان من تغرير إبليس بقريش ]

            قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت :

            :


            قومي الذين هم آووا نبيهم     وصدقوه وأهل الأرض كفار
            إلا خصائص أقوام هم سلف     للصالحين مع الأنصار أنصار
            مستبشرين بقسم الله قولهم     لما أتاهم كريم الأصل مختار
            أهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة     نعم النبي ونعم القسم والجار
            فأنزلوه بدار لا يخاف بها     من كان جارهم دارا هي الدار
            وقاسموه بها الأموال إذ قدموا     مهاجرين وقسم الجاحد النار
            سرنا وساروا إلى بدر لحينهم     لو يعلمون يقين العلم ما ساروا
            دلاهم بغرور ثم أسلمهم     إن الخبيث لمن والاه غرار
            وقال إني لكم جار فأوردهم     شر الموارد فيه الخزي والعار
            ثم التقينا فولوا عن سراتهم     من منجدين ومنهم فرقة غاروا

            قال ابن هشام أنشدني قوله لما أتاهم كريم الأصل مختار أبو زيد الأنصاري .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية