الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            نزول سورة الأنفال

            [ ما نزل في تقسيم الأنفال ]

            قال ابن إسحاق : فلما انقضى أمر بدر ، أنزل الله عز وجل فيه من القرآن الأنفال بأسرها ، فكان مما نزل منها في اختلافهم في النفل حين اختلفوا فيه : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين

            فكان عبادة بن الصامت - فيما بلغني - إذا سئل عن الأنفال ، قال : فينا معشر أهل بدر نزلت ، حين اختلفنا في النفل يوم بدر ، فانتزعه الله من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقنا ، فرده على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمه بيننا عن بواء - يقول : على السواء - وكان في ذلك تقوى الله وطاعته ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وصلاح ذات البين . [ ما نزل في خروج القوم مع الرسول لملاقاة قريش ]

            ثم ذكر القوم ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرف القوم أن قريشا قد ساروا إليهم ، وإنما خرجوا يريدون العير طمعا في الغنيمة ، فقال : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون أي كراهية للقاء القوم ، وإنكارا لمسير قريش ، حين ذكروا لهم

            وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم أي الغنيمة دون الحرب ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين أي بالوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر

            إذ تستغيثون ربكم أي لدعائهم حين نظروا إلى كثرة عدوهم ، وقلة عددهم فاستجاب لكم بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين إذ يغشيكم النعاس أمنة منه أي أنزلت عليكم الأمنة حين نمتم لا تخافون وينزل عليكم من السماء ماء للمطر الذي أصابهم تلك الليلة ، فحبس المشركين أن يسبقوا إلى الماء ، وخلى سبيل المسلمين إليه ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام أي ليذهب عنكم شك الشيطان ، لتخويفه إياهم عدوهم ، واستجلاد الأرض لهم ، حتى انتهوا إلى منزلهم الذي سبقوا إليه عدوهم . [ ما نزل في تبشير المسلمين بالمساعدة والنصر ، وتحريضهم ]

            ثم قال تعالى : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا أي آزروا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ثم قال : يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير أي تحريضا لهم على عدوهم لئلا ينكلوا عنهم إذا لقوهم ، وقد وعدهم الله فيهم ما وعدهم . [ ما نزل في رمي الرسول للمشركين بالحصباء ]

            ثم قال تعالى في رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالحصباء من يده ، حين رماهم : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أي لم يكن ذلك برميتك ، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك ، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم اللهوليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوهم ، وقلة عددهم ، ليعرفوا بذلك حقه ، ويشكروا بذلك نعمته . [ ما نزل في حض المسلمين على طاعة الرسول ]

            ثم قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون أي لا تخالفوا أمره وأنتم تسمعون لقوله ، وتزعمون أنكم منه ، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون أي كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة ، ويسرون له المعصية إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون أي المنافقون الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم ، بكم عن الخير ، صم عن الحق ، لا يعقلون : لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتباعة ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم أي لأنفذ لهم قولهم الذي قالوا بألسنتهم ، ولكن القلوب خالفت ذلك منهم ، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ما وفوا لكم بشيء مما خرجوا عليه .

            يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم أي للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل ، وقواكم بها بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم ، واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون

            أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم ، ثم تخالفوه في السر إلى غيره ، فإن ذلك هلاك لأماناتكم ، وخيانة لأنفسكم .

            يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم أي فصلا بين الحق والباطل ، ليظهر الله به حقكم ، ويطفئ به باطل من خالفكم . [ ما نزل في ذكر نعمة الله على الرسول ]

            ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعمته عليه ، حين مكر به القوم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم . [ ما نزل في غرة قريش واستفتاحهم ]

            ثم ذكر غرة قريش واستفتاحهم على أنفسهم ، إذ قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أي ما جاء به محمد فأمطر علينا حجارة من السماء كما أمطرتها على قوم لوط أو ائتنا بعذاب أليم أي بعض ما عذبت به الأمم قبلنا ، وكانوا يقولون : إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره ، ولم يعذب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها .

            وذلك من قولهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ، فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم ، حين نعى سوء أعمالهم : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون أي لقولهم : إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا ، ثم قال وما لهم ألا يعذبهم الله وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون كما يقولون وهم يصدون عن المسجد الحرام أي من آمن بالله وعبده : أي أنت ومن اتبعك ، وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون الذين يحرمون حرمته ويقيمون الصلاة عنده : أي أنت ومن آمن بك ولكن أكثرهم لا يعلمون

            وما كان صلاتهم عند البيت التي يزعمون أنه يدفع بها عنهم إلا مكاء وتصدية

            [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]

            قال ابن هشام : المكاء : الصفير . والتصدية : التصفيق . قال عنترة بن عمرو ( ابن شداد ) العبسي :


            ولرب قرن قد تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الأعلم

            يعني : صوت خروج الدم من الطعنة ، كأنه الصفير . وهذا البيت في قصيدة له . وقال الطرماح بن حكيم الطائي :

            :


            لها كلما ريعت صداة وركدة     بمصدان أعلى ابني شمام البوائن

            وهذا البيت في قصيدة له . يعني الأروية ، يقول : إذا فزعت قرعت بيدها الصفاة ثم ركدت تسمع صدى قرعها بيدها الصفاة مثل التصفيق . والمصدان : الحرز . وابنا شمام : جبلان . قال ابن إسحاق : وذلك ما لا يرضي الله عز وجل ولا يحبه ، ولا ما افترض عليهم ، ولا ما أمرهم به فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون أي لما أوقع بهم يوم بدر من القتل . [ المدة بين يا أيها المزمل وبدر ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عائشة قالت : ما كان بين نزول : يا أيها المزمل وقول الله تعالى فيها : وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما إلا يسير ، حتى أصاب الله قريشا بالوقعة يوم بدر .

            [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]

            قال ابن هشام : الأنكال : القيود ، واحدها : نكل . قال رؤبة بن العجاج :


            يكفيك نكلي بغي كل نكل :

            وهذا البيت في أرجوزة له . [ ما نزل فيمن عاونوا أبا سفيان ]

            قال ابن إسحاق : ثم قال الله عز وجل : إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان ، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة ، فسألوهم أن يقووهم بها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعلوا .

            ثم قال : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا لحربك فقد مضت سنة الأولين أي من قتل منهم يوم بدر . [ الأمر بقتال الكفار ]

            ثم قال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله أي حتى لا يفتن مؤمن عن دينه ، ويكون التوحيد لله خالصا ليس له فيه شريك ، ويخلع ما دونه من الأنداد فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم فاعلموا أن الله مولاكم الذي أعزكم ونصركم عليهم يوم بدر في كثرة عددهم وقلة عددكم نعم المولى ونعم النصير [ ما نزل في تقسيم الفيء ]

            ثم أعلمهم مقاسم الفيء وحكمه فيه ، حين أحله لهم ، فقال واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير

            أي يوم فرقت فيه بين الحق والباطل بقدرتي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم إذ أنتم بالعدوة الدنيا من الوادي وهم بالعدوة القصوى من الوادي إلى مكة والركب أسفل منكم أي عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعاد منكم ولا منهم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد أي ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم ، وقلة عددكم ما لقيتموهم ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي ليقضي ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الكفر وأهله عن غير بلاء منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ، ثم قال ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك . [ ما نزل في لطف الله بالرسول ]

            ثم ذكر لطفه به وكيده له ، ثم قال : إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور فكان ما أراك من ذلك نعمة من نعمه عليهم ، شجعهم بها على عدوهم ، وكف بها عنهم ما تخوف عليهم من ضعفهم ، لعلمه بما فيهم .

            قال ابن هشام : تخوف : مبدلة من كلمة ذكرها ابن إسحاق ولم أذكرها وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه ، والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه ، من أهل ولايته . [ ما نزل في وعظ المسلمين وتعليمهم خطط الحرب ]

            ثم وعظهم وفهمهم وأعلمهم الذي ينبغي لهم أن يسيروا به في حربهم ، فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة تقاتلونهم في سبيل الله عز وجل فاثبتوا واذكروا الله كثيرا الذي له بذلتم أنفسكم ، والوفاء له بما أعطيتموه من بيعتكم لعلكم تفلحون .

            وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا أي لا تختلفوا فيتفرق أمركم وتذهب ريحكم أي وتذهب حدتكم واصبروا إن الله مع الصابرين أي إني معكم إذا فعلتم ذلك ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس أي لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه ، الذين قالوا : لا نرجع حتى نأتي بدرا فننحر بها الجزر وتسقى بها الخمر ، وتعزف علينا فيها القيان ، وتسمع العرب : أي لا يكون أمركم رياء ، ولا سمعة ، ولا التماس ما عند الناس وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم ، وموازرة نبيكم ، لا تعملوا إلا لذلك ولا تطلبوا غيره .

            ثم قال تعالى : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم

            قال ابن هشام : وقد مضى تفسير هذه الآية .

            قال ابن إسحاق : ثم ذكر الله تعالى أهل الكفر ، وما يلقون عند موتهم ، ووصفهم بصفتهم ، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عنهم ، حتى انتهى إلى أن قال فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون أي فنكل بهم من ورائهم لعلهم يعقلون وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم إلى قوله تعالى : وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون أي لا يضيع لكم عند الله أجره في الآخرة ، وعاجل خلفه في الدنيا ثم قال تعالى : وإن جنحوا للسلم فاجنح لها أي إن دعوك إلى السلم على الإسلام فصالحهم عليه وتوكل على الله إن الله كافيك إنه هو السميع العليم [ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]

            قال ابن هشام : جنحوا للسلم مالوا إليك للسلم . الجنوح : الميل . قال لبيد بن ربيعة :

            :


            جنوح الهالكي على يديه     مكبا يجتلي نقب النصال

            وهذا البيت في قصيدة له ( يريد : الصيقل المكب على عمله . النقب صدأ السيف . يجتلي : يجلو السيف ) .

            والسلم ( أيضا ) : الصلح ، وفي كتاب الله عز وجل : فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ويقرأ : إلى السلم ، وهو ذلك المعنى . قال زهير بن أبي سلمى :

            :


            وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا     بمال ومعروف من القول نسلم

            وهذا البيت في قصيدة له .

            قال ابن هشام : وبلغني عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، أنه كان يقول : وإن جنحوا للسلم للإسلام . وفي كتاب الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ويقرأ في السلم ، وهو الإسلام .

            قال أمية بن أبي الصلت :

            :


            فما أنابوا لسلم حين تنذرهم     رسل الإله وما كانوا له عضدا

            وهذا البيت في قصيدة له .

            وتقول العرب لدلو تعمل مستطيلة : السلم . قال طرفة بن العبد ، أحد بني قيس بن ثعلبة ، يصف ناقة له :

            :


            لها مرفقان أفتلان كأنما     تمر بسلمى دالح متشدد

            ( ويروى : دالج ) . وهذا البيت في قصيدة له .

            وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو من وراء ذلك . هو الذي أيدك بنصره بعد الضعف وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم على الهدى الذي بعثك الله به إليهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم بدينه الذي جمعهم عليه إنه عزيز حكيم

            ثم قال تعالى : يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون أي لا يقاتلون على نية ولا حق ولا معرفة بخير ولا شر .

            قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس قال : لما نزلت هذه الآية اشتد على المسلمين ، وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين ، ومئة ألفا ، فخفف الله عنهم ، فنسختها الآية الأخرى ، فقال : الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين قال : فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم ، وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم [ ما نزل في الأسارى والمغانم ]

            قال ابن إسحاق : ثم عاتبه الله تعالى في الأسارى ، وأخذ المغانم ، ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنما ، من عدو له .

            قال ابن إسحاق : حدثني محمد أبو جعفر بن علي بن الحسين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت بالرعب ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأحلت لي المغانم ولم تحلل لنبي كان قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، خمس لم يؤتهن نبي قبلي

            قال ابن إسحاق : فقال : ما كان لنبي أي قبلك أن يكون له أسرى من عدوه حتى يثخن في الأرض ، أي يثخن عدوه ، حتى ينفيه من الأرض تريدون عرض الدنيا أي المتاع ، الفداء بأخذ الرجال والله يريد الآخرة أي قتلهم لظهور الدين الذي يريد إظهاره ، والذي تدرك به الآخرة لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم أي من الأسارى والمغانم عذاب عظيم أي لولا أنه سبق مني أني لا أعذب إلا بعد النهي ولم يك نهاهم ، لعذبتكم فيما صنعتم ، ثم أحلها له ولهم رحمة منه ، وعائدة من الرحمن الرحيم ، فقال فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم

            ثم قال يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم [ ما نزل في التواصل بين المسلمين ]

            وحض المسلمين على التواصل ، وجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم ، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض ، ثم قال إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أي إلا يوال المؤمن المؤمن من دون الكافر ، وإن كان ذا رحم به : تكن فتنة في الأرض أي شبهة في الحق والباطل ، وظهور الفساد في الأرض بتولي المؤمن الكافر دون المؤمن .

            ثم رد المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار دونهم إلى الأرحام التي بينهم ، فقال : والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله أي بالميراث إن الله بكل شيء عليم . لا تعارض بين قوله تعالى : وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا [الأنفال : 44] وبين قوله تعالى : قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء [آل عمران : 13] فإن المعنى في ذلك أصح الأقوال أن الفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثل عدد الكافرة على الصحيح أيضا ، وذلك عند التحام الحرب والمسابقة ، فأوقع الله تعالى الوهن والرعب في قلوب الذين كفروا ، فاستدرجهم أولا بأن أراهم إياهم عند المواجهة قليلا ، ثم أيد المؤمنين بنصره ، فجعلهم في أعين الكافرين على الضعف منهم ، حتى وهنوا وضعفوا ، وغلبوا؛ ولهذا قال : والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .

            وروى ابن سعد وإسحاق بن راهويه وابن منيع ، والبيهقي ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم . فقلنا : كم أنتم ؟ قال : ألف .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية