الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ما قيل من الشعر في يوم بدر

            قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر في يوم بدر ، وتراد به القوم بينهم لما كان فيه ، قول حمزة بن عبد المطلب يرحمه الله : قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها :


            ألم تر أمرا كان من عجب الدهر وللحين أسباب مبينة الأمر     وما ذاك إلا أن قوما أفادهم
            فحانوا تواص بالعقوق وبالكفر     عشية راحوا نحو بدر بجمعهم
            فكانوا رهونا للركية من بدر     وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها
            فساروا إلينا فالتقينا على قدر     فلما التقينا لم تكن مثنوية
            لنا غير طعن بالمثقفة السمر     وضرب ببيض يختلي الهام حدها
            مشهرة الألوان بينة الأثر     ونحن تركنا عتبة الغي ثاويا
            وشيبة في القتلى تجرجم في الجفر     وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم
            فشقت جيوب النائحات على عمرو     جيوب نساء من لؤي بن غالب
            كرام تفرعن الذوائب من فهر     أولئك قوم قتلوا في ضلالهم
            وخلوا لواء غير محتضر النصر     لواء ضلال قاد إبليس أهله
            فخاس بهم ، إن الخبيث إلى غدر     وقال لهم ، إذ عاين الأمر واضحا
            برئت إليكم ما بي اليوم من صبر     فإني أرى ما لا ترون وإنني
            أخاف عقاب الله والله ذو قسر     فقدمهم للحين حتى تورطوا
            وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر     فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا
            ثلاث مئين كالمسدمة الزهر     وفينا جنود الله حين يمدنا
            بهم في مقام ثم مستوضح الذكر     فشد بهم جبريل تحت لوائنا
            لدى مأزق فيه مناياهم تجري

            فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة ، فقال :


            ألا يا لقومي للصبابة والهجر     وللحزن مني والحرارة في الصدر
            وللدمع من عيني جودا كأنه     فريد هوى من سلك ناظمه يجري
            على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى     رهين مقام للركية من بدر
            فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة     ومن ذي ندام كان ذا خلق غمر
            فإن يك قوم صادفوا منك دولة     فلا بد للأيام من دول الدهر
            فقد كنت في صرف الزمان الذي مضى     تريهم هوانا منك ذا سبل وعر
            فإلا أمت يا عمرو أترك ثائرا     ولا أبق بقيا في إخاء ولا صهر
            وأقطع ظهرا من رجال بمعشر     كرام عليهم مثل ما قطعوا ظهري
            أغرهم ما جمعوا من وشيظة     ونحن الصميم في القبائل من فهر
            فيال لؤي ذببوا عن حريمكم     وآلهة لا تتركوها لذي الفخر
            توارثها آباؤكم وورثتم     أواسيها والبيت ذا السقف والستر
            فما لحليم قد أراد هلاككم     فلا تعذروه آل غالب من عذر
            وجدوا لمن عاديتم وتوازروا     وكونوا جميعا في التأسي وفي الصبر
            لعلكم أن تثأروا بأخيكم     ولا شيء إن لم تثأروا بذوي عمرو
            بمطردات في الأكف كأنها     وميض تطير الهام بينة الأثر
            كأن مدب الذر فوق متونها     إذا جردت يوما لأعدائها الخزر

            قال ابن هشام : أبدلنا من هذه القصيدة كلمتين مما روى ابن إسحاق ، وهما الفخر في آخر البيت ، وفما لحليم ، في أول البيت ، لأنه نال فيهما من النبي صلى الله عليه وسلم .

            قال ابن إسحاق : وقال علي بن أبي طالب في يوم بدر : قال ابن هشام : ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها ولا نقيضتها ، وإنما كتبناهما لأنه يقال : إن عمرو بن عبد الله بن جدعان قتل يوم بدر ، ولم يذكره ابن إسحاق في القتلى ، وذكره في هذا الشعر :


            ألم تر أن الله أبلى رسوله     بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
            بما أنزل الكفار دار مذلة     فلاقوا هوانا من إسار ومن قتل
            فأمسى رسول الله قد عز نصره     وكان رسول الله أرسل بالعدل
            فجاء بفرقان من الله منزل     مبينة آياته لذوي العقل
            فآمن أقوام بذاك وأيقنوا     فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
            وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم     فزادهم ذو العرش خبلا على خبل
            وأمكن منهم يوم بدر رسوله     وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل
            بأيديهم بيض خفاف عصوا بها     وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل
            فكم تركوا من ناشئ ذي حمية     صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
            تبيت عيون النائحات عليهم     تجود بأسبال الرشاش وبالوبل
            نوائح تنعى عتبة الغي وابنه     وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل
            وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم     مسلبة حرى مبينة الثكل
            ثوى منهم في بئر بدر عصابة     ذوي نجدات في الحروب وفي المحل
            دعا الغي منهم من دعا     فأجابه وللغي أسباب مرمقة الوصل
            عن الشغب والعدوان في أشغل الشغل     فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل

            فأجابه الحارث بن هشام بن المغيرة ، فقال :


            عجبت لأقوام تغنى سفيههم     بأمر سفاه ذي اعتراض وذي بطل
            تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا     كرام المساعي من غلام ومن كهل
            مصاليت بيض من لؤي بن غالب     مطاعين في الهيجا مطاعيم في المحل
            أصيبوا كراما لم يبيعوا عشيرة     بقوم سواهم نازحي الدار والأصل
            كما أصبحت غسان فيكم بطانة     لكم بدلا منا فيا لك من فعل
            عقوقا وإثما بينا وقطيعة     يرى جوركم فيها ذوو الرأي والعقل
            فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم     وخير المنايا ما يكون من القتل
            فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم     لكم كائن خبلا مقيما على خبل
            فإنكم لن تبرحوا بعد قتلهم     شتيتا هواكم غير مجتمعي الشمل
            بفقد ابن جدعان الحميد فعاله     وعتبة والمدعو فيكم أبا جهل
            وشيبة فيهم والوليد وفيهم     أمية مأوى المعترين وذو الرجل
            أولئك فابك ثم لا تبك غيرهم     نوائح تدعو بالرزية والثكل
            وقولوا لأهل المكتين تحاشدوا     وسيروا إلى آطام يثرب ذي النخل
            جميعا وحاموا آل كعب وذببوا     بخالصة الألوان محدثة الصقل
            وإلا فبيتوا خائفين وأصبحوا     أذل لوطء الواطئين من النعل
            على أنني واللات يا قوم فاعلموا     بكم واثق أن لا تقيموا على تبل
            سوى جمعكم للسابغات وللقنا     وللبيض والبيض القواطع والنبل

            وقال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، في يوم بدر :


            عجبت لفخر الأوس والحين دائر     عليهم غدا والدهر فيه بصائر
            وفخر بني النجار إن كان معشر     أصيبوا ببدر كلهم ثم صابر
            فإن تك قتلى غودرت من رجالنا     فإنا رجال بعدهم سنغادر
            وتردي بنا الجرد العناجيج وسطكم     بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر
            ووسط بني النجار سوف نكرها     لها بالقنا والدارعين زوافر
            فنترك صرعى تعصب الطير حولهم     وليس لهم إلا الأماني ناصر
            وتبكيهم من أهل يثرب نسوة     لهن بها ليل عن النوم ساهر
            وذلك أنا لا تزال سيوفنا     بهن دم ممن يحاربن مائر
            فإن تظفروا في يوم بدر فإنما     بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر
            وبالنفر الأخيار هم أولياؤه     يحامون في اللأواء والموت حاضر
            يعد أبو بكر وحمزة فيهم     ويدعى علي وسط من أنت ذاكر
            ويدعى أبو حفص وعثمان منهم     وسعد إذا ما كان في الحرب حاضر
            أولئك لا من نتجت في ديارها     بنو الأوس والنجار حين تفاخر
            ولكن أبوهم من لؤي بن غالب     إذا عدت الأنساب كعب وعامر
            هم الطاعنون الخيل في كل معرك     غداة الهياج الأطيبون الأكاثر

            فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال :


            عجبت لأمر الله والله قادر     على ما أراد ، ليس لله قاهر
            قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا     بغوا وسبيل البغي بالناس جائر
            وقد حشدوا واستنفروا من يليهم     من الناس حتى جمعهم متكاثر
            وسارت إلينا لا تحاول غيرنا     بأجمعها كعب جميعا وعامر
            وفينا رسول الله والأوس حوله     له معقل منهم عزيز وناصر
            وجمع بني النجار تحت لوائه     يمشون في الماذي والنقع ثائر
            فلما لقيناهم وكل مجاهد     لأصحابه مستبسل النفس صابر
            شهدنا بأن الله لا رب غيره     وأن رسول الله بالحق ظاهر
            وقد عريت بيض خفاف كأنها     مقابيس يزهيها لعينيك شاهر
            بهن أبدنا جمعهم فتبددوا     وكان يلاقي الحين من هو فاجر
            فكب أبو جهل صريعا لوجهه     وعتبة قد غادرنه وهو عاثر
            وشيبة والتيمي غادرن في الوغى     وما منهم إلا بذي العرش كافر
            فأمسوا وقود النار في مستقرها     وكل كفور في جهنم صائر
            تلظى عليهم وهي قد شب حميها     بزبر الحديد والحجارة ساجر
            وكان رسول الله قد قال أقبلوا     فولوا وقالوا : إنما أنت ساحر
            لأمر أراد الله أن يهلكوا به     وليس لأمر حمه الله زاجر

            وقال عبد الله بن الزبعرى السهمي يبكي قتلى بدر :

            فال ابن هشام : وتروى للأعشى بن زرارة بن النباش ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ، حليف بني نوفل بن عبد مناف . قال ابن إسحاق : حليف بني عبد الدار :


            ماذا على بدر وماذا حوله     من فتية بيض الوجوه كرام
            تركوا نبيها خلفهم ومنبها     وابني ربيعة خير خصم فئام
            والحارث الفياض يبرق وجهه     كالبدر جلى ليلة الإظلام
            والعاصي بن منبه ذا مرة     رمحا تميما غير ذي أوصام
            تنمى به أعراقه وجدوده     ومآثر الأخوال والأعمام
            وإذا بكى باك فأعول شجوه     فعلى الرئيس الماجد ابن هشام
            حيا الإله أبا الوليد ورهطه     رب الأنام ، وخصهم بسلام



            فأجابه حسان بن ثابت الأنصاري ، فقال :


            ابك بكت عيناك ثم تبادرت     بدم تعل غروبها سجام
            ماذا بكيت به الذين تتايعوا     هلا ذكرت مكارم الأقوام
            وذكرت منا ماجدا ذا همة     سمح الخلائق صادق الإقدام
            أعني النبي أخا المكارم والندى     وأبر من يولى على الإقسام
            فلمثله ولمثل ما يدعو له     كان الممدح ثم غير كهام

            [ شعر لحسان في بدر أيضا ]

            وقال حسان بن ثابت الأنصاري أيضا :


            تبلت فؤادك في المنام خريدة     تسقى الضجيع ببارد بسام
            كالمسك تخلطه بماء سحابة     أو عاتق كدم الذبيح مدام
            نفج الحقيبة بوصها متنضد     بلهاء غير وشيكة الأقسام
            بنيت على قطن أجم كأنه     فضلا إذا قعدت مداك رخام
            وتكاد تكسل أن تجئ فراشها     في جسم خرعبة وحسن قوام
            أما النهار فلا أفتر ذكرها     والليل توزعني بها أحلامي
            أقسمت أنساها وأترك ذكرها     حتى تغيب في الضريح عظامي
            يا من لعاذلة تلوم سفاهة     ولقد عصيت على الهوى لوامي
            بكرت علي بسحرة بعد الكرى     وتقارب من حادث الأيام
            زعمت بأن المرء يكرب عمره     عدم لمعتكر من الأصرام
            إن كنت كاذبة الذي حدتتني     فنجوت منجى الحارث بن هشام
            ترك الأحبة أن يقاتل دونهم     ونجا برأس طمرة ولجام
            تذر العناجيج الجياد بقفرة     مر الدموك بمحصد ورجام
            ملأت به الفرجين فارمدت به     وثوى أحبته بشر مقام
            وبنو أبيه ورهطه في معرك     نصر الإله به ذوي الإسلام
            طحنتهم ، والله ينفذ أمره     حرب يشب سعيرها بضرام
            لولا الإله وجريها لتركنه     جزر السباع ودسنه بحوامي
            من بين مأسور يشد وثاقه     صقر إذا لاقى الأسنة حامي
            ومجدل لا يستجيب لدعوة     حتى تزول شوامخ الأعلام
            بالعار والذل المبين إذ رأى     بيض السيوف تسوق كل همام
            بيدي أغر إذا انتمى لم يخزه     نسب القصار سميدع مقدام
            بيض إذا لاقت حديدا صممت     كالبرق تحت ظلال كل غمام

            [ شعر الحارث في الرد على حسان ]

            فأجابه الحارث بن هشام ، فيما ذكر ابن هشام ، فقال :


            الله أعلم ما تركت قتالهم     حتى حبوا مهري بأشقر مزبد
            وعرفت أني إن أقاتل واحدا     أقتل ولا ينكي عدوي مشهدي
            فصددت عنهم والأحبة فيهم     طمعا لهم بعقاب يوم مفسد



            قال ابن إسحاق : قالها الحارث يعتذر من فراره يوم بدر . قال ابن هشام : تركنا من قصيدة حسان ثلاثة أبيات من آخرها ، لأنه أقذع فيها . [ شعر لحسان فيها أيضا ]

            قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :


            لقد علمت قريش يوم بدر     غداة الأسر والقتل الشديد
            بأنا حين تشتجر العوالي     حماة الحرب يوم أبي الوليد
            قتلنا ابني ربيعة يوم سارا     إلينا في مضاعفة الحديد
            وفر بها حكيم يوم جالت     بنو النجار تخطر كالأسود
            وولت عند ذاك جموع فهر     وأسلمها الحويرث من بعيد
            لقد لاقيتم ذلا وقتلا     جهيزا نافذا تحت الوريد
            وكل القوم قد ولوا جميعا     ولم يلووا على الحسب التليد



            وقال حسان بن ثابت أيضا :


            يا حار قد عولت غير معول     عند الهياج وساعة الأحساب
            إذ تمتطي سرح اليدين نجيبة     مرطى الجراء طويلة الأقراب
            والقوم خلفك قد تركت قتالهم     ترجو النجاء وليس حين ذهاب
            ألا عطفت على ابن أمك إذ ثوى     قعص الأسنة ضائع الأسلاب
            عجل المليك له فأهلك جمعه     بشنار مخزية وسوء عذاب



            قال ابن هشام : تركنا منها بيتا واحدا أقذع فيه . قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا : - قال ابن هشام : ويقال : بل قالها عبد الله بن الحارث السهمي :


            مستشعري حلق الماذي يقدمهم     جلد النحيزة ماض غير رعديد
            أعني رسول إله الخلق فضله     على البرية بالتقوى وبالجود
            وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم     وماء بدر زعمتم غير مورود
            ثم وردنا ولم نسمع لقولكم     حتى شربنا رواء غير تصريد
            مستعصمين بحبل غير منجذم     مستحكم من حبال الله ممدود
            فينا الرسول وفينا الحق نتبعه     حتى الممات ونصر غير محدود
            واف وماض شهاب يستضاء به     بدر أنار على كل الأماجيد



            قال ابن هشام : بيته : مستعصمين بحبل غير منجذم عن أبي زيد الأنصاري قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :


            خابت بنو أسد وآب غزيهم     يوم القليب بسوءة وفضوح
            منهم أبو العاصي تجدل مقعصا     عن ظهر صادقة النجاء سبوح
            حينا له من مانع بسلاحه     لما ثوى بمقامه المذبوح
            والمرء زمعة قد تركن ونحره     يدمى بعاند معبط مسفوح
            متوسدا حر الجبين معفرا     قد عر مارن أنفه بقبوح
            ونجا ابن قيس في بقية رهطه     بشفا الرماق موليا بجروح

            وقال حسان بن ثابت أيضا :


            ألا ليت شعري هل أتى أهل مكة     إبارتنا الكفار في ساعة العسر
            قتلنا سراة القوم عند مجالنا     فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر
            قتلنا أبا جهل وعتبة قبله     وشيبة يكبو لليدين وللنحر
            قتلنا سويدا ثم عتبة بعده     وطعمة أيضا عند ثائرة القتر
            فكم قد قتلنا من كريم مرزإ     له حسب في قومه نابه الذكر
            تركناهم للعاويات ينبنهم     ويصلون نارا بعد حامية القعر
            لعمرك ما حامت فوارس مالك     وأشياعهم يوم التقينا على بدر



            قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته : قتلنا أبا جهل وعتبة قبله وشيبة يكبو لليدين وللنحر قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :


            نجى حكيما يوم بدر شده     كنجاء مهر من بنات الأعوج
            لما رأى بدرا تسيل جلاهه     بكتيبة خضراء من بلخزرج
            لا ينكلون إذا لقوا أعداءهم     يمشون عائدة الطريق المنهج
            كم فيهم من ماجد ذي منعة     بطل بمهلكة الجبان المحرج
            ومسود يعطي الجزيل بكفه     حمال أثقال الديات متوج
            زين الندي معاود يوم الوغى     ضرب الكماة بكل أبيض سلجج



            قال ابن هشام : قوله سلجج ، عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال حسان أيضا :


            فما نخشى بحول الله قوما     وإن كثروا وأجمعت الزحوف
            إذا ما ألبوا جمعا علينا     كفانا حدهم رب رءوف
            سمونا يوم بدر بالعوالي     سراعا ما تضعضعنا الحتوف
            فلم تر عصبة في الناس أنكى     لمن عادوا إذا لقحت كشوف
            ولكنا توكلنا وقلنا     مآثرنا ومعقلنا السيوف
            لقيناهم بها لما سمونا     ونحن عصابة وهم ألوف

            وقال حسان بن ثابت أيضا ، يهجو بني جمح ومن أصيب منهم :


            جمحت بنو جمح لشقوة جدهم     إن الذليل موكل بذليل
            قتلت بنو جمح ببدر عنوة     وتخاذلوا سعيا بكل سبيل
            جحدوا الكتاب وكذبوا بمحمد     والله يظهر دين كل رسول
            لعن الإله أبا خزيمة وابنه     والخالدين ، وصاعد بن عقيل

            [ شعر عبيدة بن الحارث في قطع رجله ]

            قال ابن إسحاق : وقال عبيدة بن الحارث بن المطلب في يوم بدر ، وفي قطع رجله حين أصيبت ، في مبارزته هو وحمزة وعلي حين بارزوا عدوهم - قال ابن هشام ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لعبيدة


            ستبلغ عنا أهل مكة وقعة     يهب لها من كان عن ذاك نائيا
            بعتبة إذ ولى وشيبة بعده     وما كان فيها بكر عتبة راضيا
            فإن تقطعوا رجلي فإنى مسلم     أرجي بها عيشا من الله دانيا
            مع الحور أمثال التماثيل أخلصت     مع الجنة العليا لمن كان عاليا
            وبعت بها عيشا تعرقت صفوه     وعالجته حتى فقدت الأدانيا
            فأكرمني الرحمن من فضل منه     بئوب من الإسلام غطى المساويا
            وما كان مكروها إلي قتالهم     غداة دعا الأكفاء من كان داعيا
            ولم يبغ إذ سالوا النبي سواءنا     ثلاثتنا حتى حضرنا المناديا
            لقيناهم كالأسد تخطر بالقنا     نقاتل في الرحمن من كان عاصيا
            فما برحت أقدامنا من مقامنا     ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا



            قال ابن هشام : لما أصيبت رجل عبيدة قال : أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق منه بما قال حين يقول :


            كذبتم وبيت الله يبزى محمد     ولما نطاعن دونه ونناضل
            ونسلمه حتى نصرع حوله     ونذهل عن أبنائنا والحلائل



            وهذان البيتان في قصيدة لأبي طالب ، وقد ذكرناها فيما مضى من هذا الكتاب . [ رثاء كعب لعبيدة بن الحارث ]

            قال ابن إسحاق : فلما هلك عبيدة بن الحارث من مصاب رجله يوم بدر . قال كعب بن مالك الأنصاري يبكيه :


            أيا عين جودي ولا تبخلي     بدمعك حقا ولا تنزري
            على سيد هدنا هلكه     كريم المشاهد والعنصر
            جريء المقدم شاكي السلاح     كريم النثا طيب المكسر
            عبيدة أمسى ولا نرتجيه     لعرف عرانا ولا منكر
            وقد كان يحمى غداة القتا     ل حامية الجيش بالمبتر

            [ شعر لكعب في بدر ]

            وقال كعب بن مالك أيضا ، في يوم بدر :


            ألا هل أتى غسان في نأي دارها     وأخبر شيء بالأمور عليمها
            بأن قد رمتنا عن قسي عداوة     معد معا جهالها وحليمها
            لأنا عبدنا الله لم نرج غيره     رجاء الجنان إذ أتانا زعيمها
            نبي له في قومه إرث عزة     وأعراق صدق هذبتها أرومها
            فساروا وسرنا فالتقينا كأننا     أسود لقاء لا يرجى كليمها
            ضربناهم حتى هوى في مكرنا     لمنخر سوء من لؤي عظيمها
            فولوا ودسناهم ببيض صوارم     سواء علينا حلفها وصميمها



            وقال كعب بن مالك أيضا :


            لعمر أبيكما يا بني لؤي     على زهو لديكم وانتخاء
            لما حامت فوارسكم ببدر     ولا صبروا به عند اللقاء
            وردناه بنور الله يجلو     دجى الظلماء عنا والغطاء
            رسول الله يقدمنا بأمر     من أمر الله أحكم بالقضاء
            فما ظفرت فوارسكم ببدر     وما رجعوا إليكم بالسواء
            فلا تعجل أبا سفيان وارقب     جياد الخيل تطلع من كداء
            بنصر الله روح القدس فيها     وميكال ، فيا طيب الملاء

            [ شعر طالب في مدح الرسول وبكاء أصحاب القليب ]

            وقال طالب بن أبي طالب ، يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبكي أصحاب القليب من قريش يوم بدر :


            ألا إن عيني أنفدت دمعها سكبا     تبكي على كعب وما إن ترى كعبا
            ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا     وأرداهم ذا الدهر واجترحوا ذنبا
            وعامر تبكي للملمات غدوة     فياليت شعري هل أرى لهما قربا
            هما أخواي لن يعدا لغية     تعد ولن يستام جارهما غصبا
            فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا     فدا لكما لا تبعثوا بيننا حربا
            ولا تصبحوا من بعد ود وألفة     أحاديث فيها كلكم يشتكي النكبا
            ألم تعلموا ما كان في حرب داحس     وجيش أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا
            فلولا دفاع الله لا شيء غيره     لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا
            فما إن جنينا في أقريش عظيمة     سوى أن حمينا خير من وطئ التربا
            أخا ثقة في النائبات مرزأ     كريما نثاه لا بخيلا ولا ذربا
            يطيف به العافون يغشون بابه     يؤمون بحرا لا نزورا ولا صربا
            فوالله لا تنفك نفسي حزينة     تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا

            [ شعر ضرار في رثاء أبي جهل ]

            وقال ضرار بن الخطاب الفهري يرثي أبا جهل :


            ألا من لعين باتت الليل لم تنم     تراقب نجما في سواد من الظلم
            كأن قذى فيها وليس بها قذى     سوى عبرة من جائل الدمع تنسجم
            فبلغ قريشا أن خير نديها     وأكرم من يمشي بساق على قدم
            ثوى يوم بدر رهن خوصاء رهنها     كريم المساعي غير وغد ولا برم
            فآليت لا تنفك عيني بعبرة     على هالك بعد الرئيس أبي الحكم
            على هالك أشجى لؤي بن غالب     أتته المنايا يوم بدر فلم يرم
            ترى كسر الخطي في نحر مهره     لدى بائن من لحمه بينها خذم
            وما كان ليث ساكن بطن بيشة     لدى غلل يجري ببطحاء في أجم
            بأجرأ منه حين تختلف القنا     وتدعى نزال في القماقمة البهم
            فلا تجزعوا آل المغيرة واصبروا     عليه ومن يجزع عليه فلم يلم
            وجدوا فإن الموت مكرمة لكم     وما بعده في آخر العيش من ندم
            وقد قلت إن الريح طيبة لكم     وعز المقام غير شك لذي فهم



            قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار . [ شعر الحارث بن هشام في رثاء أبي جهل ]

            قال ابن إسحاق : وقال الحارث بن هشام ، يبكي أخاه أبا جهل :


            ألا يا لهف نفسي بعد عمرو     وهل يغني التلهف من قتيل
            يخبرني المخبر أن عمرا     أمام القوم في جفر محيل
            فقدما كنت أحسب ذاك حقا     وأنت لما تقدم غير فيل
            وكنت بنعمة ما دمت حيا     فقد خلفت في درج المسيل
            كأن حين أمسي لا أراه     ضعيف العقد ذو هم طويل
            على عمرو إذا أمسيت يوما     وطرف من تذكره كليل



            قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها للحارث بن هشام ، وقوله : في جفر عن غير ابن إسحاق . [ شعر ابن الأسود في بكاء قتلى بدر ]



            قال ابن إسحاق : وقال أبو بكر بن الأسود بن شعوب الليثي ، وهو شداد بن الأسود :


            تحيي بالسلامة أم بكر     وهل لي بعد قومي من سلام
            فماذا بالقليب قليب بدر     من القينات والشرب الكرام
            وماذا بالقليب قليب بدر     من الشيزى تكلل بالسنام
            وكم لك بالطوي طوي بدر     من الحومات والنعم المسام
            وكم لك بالطوي طوي بدر     من الغايات والدسع العظام
            وأصحاب الكريم أبي علي     أخي الكاس الكريمة والندام
            وإنك لو رأيت أبا عقيل     وأصحاب الثنية من نعام
            إذا لظللت من وجد عليهم     كأم السقب جائلة المرام
            يخبرنا الرسول لسوف نحيا     وكيف لقاء أصداء وهام ؟



            قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة النحوي :


            يخبرنا الرسول بأن سنحيا     وكيف حياة أصداء وهام



            قال وكان قد أسلم ثم ارتد [ شعر أمية بن أبي الصلت في رثاء قتلى بدر ]



            وقال ابن إسحاق : وقال أمية بن أبي الصلت ، يرثي من أصيب من قريش يوم بدر :


            ألا بكيت على الكرا     م بني الكرام أولي الممادح
            كبكا الحمام على فرو     ع الأيك في الغصن الجوانح
            يبكين حرى مستكي     نات يرحن مع الروائح
            أمثالهن الباكيا     ت المعولات من النوائح
            من يبكهم يبك على     حزن ويصدق كل مادح
            ماذا ببدر فالعقن     من مرازبة جحاجح
            فمدافع البرقين فالح     من طرف الأواشح
            شمط وشبان بها     ليل مغاوير وحاوح
            ألا ترون لما أرى     ولقد أبان لكل لامح
            أن قد تغير بطن مكة     فهي موحشة الأباطح
            من كل بطريق لبطريق     نقي القون واضح
            دعموص أبواب الملو     ك وجائب للخرق فاتح
            من السراطمة الخلا     جمة الملاوثة المناجح
            القائلين الفاعلين     الآمرين بكل صالح
            المطعمين الشحم فو     ق الخبز شحما كالأنافح
            نقل الجفان مع الجفا     ن إلى جفان كالمناضح
            ليست بأصفار لمن     يعفو ولا رح رحارح
            للضيف ثم الضيف بعد      [ الضيف ] والبسط السلاطح
            وهب المئين من المئين     إلى المئين من اللواقح
            سوق المؤبل للمؤبل     صادرات عن بلادح
            لكرامهم فوق الكرا     م مزية وزن الرواجح
            كتثاقل الأرطال بالقسطاس     في الأيدي الموائح
            خذلتهم فئة وهم     يحمون عورات الفضائح
            الضاربين التقدمية     بالمهندة الصفائح
            ولقد عناني صوتهم     من بين مستسق وصائح
            لله در بني ع     لي أيم منهم وناكح
            إن لم يغيروا غارة     شعواء تجحر كل نابح
            بالمقربات ، المبعدا     ت ، الطامحات مع الطوامح
            مردا على جرد إلى     أسد مكالبة كوالح
            ويلاق قرن قرنه     مشي المصافح للمصافح
            بزهاء ألف ثم ألف     بين ذي بدن ورامح



            قال ابن هشام : تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر بيته :


            ويلاق قرن قرنه     مشي المصافح للمصافح



            وأنشدني أيضا :


            وهب المئين من المئين     إلى المئين من اللواقح
            سوق المؤبل للمؤبل     صادرات عن بلادح

            قال ابن إسحاق : وقال أمية بن أبي الصلت ، يبكي زمعة بن الأسود ، وقتلى بني أسد :


            عين بكي بالمسبلات أبا الح     ارث لا تذخري على زمعه
            وابكي عقيل بن أسود أسد ال     يوم الهياج والدفعه
            تلك بنو أسد إخوة الجو     زاء لا خانة ولا خدعه
            هم الأسرة الوسيطة من كعب     وهم ذروة السنام والقمعه
            أنبتوا من معاشر شعر ال     رأس وهم ألحقوهم المنعه
            أمسى بنو عمهم إذا حضر البأ     س أكبادهم عليهم وجعه
            وهم المطعمون إذ قحط القط     ر وحالت فلا ترى قزعه



            قال ابن هشام : هذه الرواية لهذا الشعر مختلطة ، ليست بصحيحة البناء ، لكن أنشدني أبو محرز خلف الأحمر وغيره ، روى بعض ما لم يرو بعض :


            عين بكي بالمسبلات أبا الحا     رث لا تذخري على زمعه
            وعقيل بن أسود أسد البأ     س ليوم الهياج والدفعه
            فعلى مثل هلكهم خوت الجو     زاء ، لا خانة ولا خدعه
            وهم الأسرة الوسيطة من كعب     وفيهم كذروة القمعه
            أنبتوا من معاشر شعر الرأ     ، وهم ألحقوهم المنعه
            فبنو عمهم إذا حضر البأ     س عليهم أكبادهم وجعه
            وهم المطعمون إذ قحط القطر     وحالت فلا ترى قزعه

            [ شعر أبي أسامة ]



            قال ابن إسحاق : وقال أبو أسامة ، معاوية بن زهير بن قيس بن الحارث بن سعد بن ضبيعة بن مازن بن عدي بن جشم بن معاوية حليف بني مخزوم - قال ابن هشام : وكان مشركا وكان مر بهبيرة بن أبي وهب وهم منهزمون يوم بدر ، وقد أعيا هبيرة ، فقام فألقى عنه درعه وحمله فمضى به ، قال ابن هشام : وهذه أصح أشعار أهل بدر :


            ولما أن رأيت القوم خفوا     وقد زالت نعامتهم لنفر
            وأن تركت سراة القوم صرعى     كأن خيارهم أذباح عتر
            وكانت جمة وافت حماما     ولقينا المنايا يوم بدر
            نصد عن الطريق وأدركونا     كأن زهاءهم غطيان بحر
            وقال القائلون : من ابن قيس     فقلت : أبو أسامة ، غير فخر
            أنا الجشمي كيما تعرفوني     أبين نسبتي نقرا بنقر
            فإن تك في الغلاصم من قريش     فإني من معاوية بن بكر
            فأبلغ مالكا لما غشينا     وعندك مال - إن نبأت - خبرى
            وأبلغ إن بلغت المرء عنا     هبيرة ، وهو ذو علم وقدر
            بأني إذ دعيت إلى أفيد     كررت ولم يضق بالكر صدري
            عشية لا يكر على مضاف     ولا ذي نعمة منهم وصهر
            فدونكم بني لأي أخاكم     ودونك مالكا يا أم عمرو
            فلولا مشهدي قامت عليه     موقفة القوائم أم أجري
            دفوع للقبور بمنكبيها     كأن بوجهها تحميم قدر
            فأقسم بالذي قد كان ربي     وأنصاب لدى الجمرات مغر
            لسوف ترون ما حسبي إذا ما     تبدلت الجلود جلود نمر
            فما إن خادر من أسد ترج     مدل عنبس في الغيل مجري
            فقد أحمي الأباءة من كلاف     فما يدنو له أحد بنقر
            بخل تعجز الحلفاء عنه     يواثب كل هجهجة وزجر
            بأوشك سورة مني إذا ما     حبوت له بقرقرة وهدر
            ببيض كالأسنة مرهفات     كأن ظباتهن جحيم جمر
            وأكلف مجنإ من جلد ثور     وصفراء البراية ذات أزر
            وأبيض كالغدير ثوى عليه     عمير بالمداوس نصف شهر
            أرفل في حمائله وأمشي     كمشية خادر ليث سبطر
            يقول لي الفتى سعد هديا     فقلت : لعله تقريب غدر
            وقلت أبا عدي لا تطرهم     وذلك إن أطعت اليوم أمري
            كدأبهم بفروة إذ أتاهم     فظل يقاد مكتوفا بضفر

            قال ابن هشام : وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر :


            نصد عن الطريق وأدركونا     كأن سراعهم تيار بحر



            وقوله : -


            مدل عنبس في الغيل مجري



            - عن غير ابن إسحاق . قال ابن إسحاق : وقال أبو أسامة أيضا :


            ألا من مبلغ عني رسولا     مغلغلة يثبتها لطيف
            ألم تعلم مردي يوم بدر     وقد برقت بجنبيك الكفوف
            وقد تركت سراة القوم صرعى     كأن رءوسهم حدج نقيف
            وقد مالت عليك ببطن بدر     خلاف القوم داهية خصيف
            فنجاه من الغمرات عزمي     وعون الله والأمر الحصيف
            ومنقلبي من الأبواء وحدي     ودونك جمع أعداء وقوف
            وأنت لمن أرادك مستكين     بجنب كراش مكلوم نزيف
            وكنت إذا دعاني يوم كرب     من الأصحاب داع مستضيف
            فأسمعني ولو أحببت نفسي     أخ في مثل ذلك أو حليف
            أرد فأكشف الغمى وأرمي     إذا كلح المشافر والأنوف
            وقرن قد تركت على يديه     ينوء كأنه غصن قصيف
            دلفت له إذ اختلطوا بحرى     مسحسحة لعاندها حفيف
            فذلك كان صنعي يوم بدر     وقبل أخو مداراة عزوف
            أخوكم في السنين كما علمتم     وحرب لا يزال لها صريف
            ومقدام لكم لا يزدهيني     جنان الليل والأنس اللفيف
            أخوض الصرة الجماء خوضا     إذا ما الكلب ألجأه الشفيف



            قال ابن هشام : تركت قصيدة لأبي أسامة على اللام ، ليس فيها ذكر بدر إلا في أول بيت منها والثاني ، كراهية الإكثار . [ شعر هند بنت عتبة ]

            قال ابن إسحاق : وقالت هند بنت عتبة بن ربيعة تبكي أباها يوم بدر :


            أعيني جودا بدمع سرب     على خير خندف لم ينقلب
            تداعى له رهطه غدوة     بنو هاشم وبنو المطلب
            يذيقونه حد أسيافهم     يعلونه بعد ما قد عطب
            يجرونه وعفير التراب     على وجهه عاريا قد سلب
            وكان لنا جبلا راسيا     جميل المراة كثير العشب
            فأما بري فلم أعنه     فأوتي من خير ما يحتسب



            وقالت هند أيضا :


            يريب علينا دهرنا فيسوءنا     ويأبى فما نأتي بشيء يغالبه
            أبعد قتيل من لؤي بن غالب     يراع أمر إن مات أو مات صاحبه
            ألا رب يوم قد رزئت مرزأ     تروح وتغدو بالجزيل مواهبه
            فأبلغ أبا سفيان عني مألكا     فإن ألقه يوما فسوف أعاتبه
            فقد كان حرب يسعر الحرب إنه     لكل امرئ في الناس مولى يطالبه



            قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند . قال ابن إسحاق : وقالت هند أيضا :


            لله عينا من رأى     هلكا كهلك رجاليه
            يا رب باك لي غدا     في النائبات وباكيه
            كم غادروا يوم القلي     ب غداة تلك الواعيه
            من كل غيث في السني     ن إذا الكواكب خاويه
            قد كنت أحذر ما أرى     فاليوم حق حذاريه
            قد كنت أحذر ما أرى     فأنا الغداة مواميه
            يا رب قائلة غدا     يا ويح أم معاويه



            قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند . قال ابن إسحاق : وقالت هند أيضا :


            يا عين بكي عتبه     شيخا شديد الرقبه
            يطعم يوم المسغبه     يدفع يوم المغلبه
            إني عليه حربه     ملهوفة مستلبه
            لنهبطن يثربه     بغارة منثعبه
            فيها الخيول مقربه     كل جواد سلهبه

            [ شعر صفية ]

            وقالت صفية بنت مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، تبكي أهل القليب الذين أصيبوا يوم بدر من قريش : ( وتذكر مصابهم ) :


            يا من لعين قذاها عائر الرمد     حد النهار وقرن الشمس لم يقد
            أخبرت أن سراة الأكرمين معا     قد أحرزتهم مناياهم إلى أمد
            وفر بالقوم أصحاب الركاب ولم     تعطف غداتئذ أم على ولد
            قومي صفي ولا تنسى قرابتهم     وإن بكيت فما تبكين من بعد
            كانوا سقوب سماء البيت فانقصفت     فأصبح السمك منها غير ذي عمد



            قال ابن هشام : أنشدني بيتها : كانوا سقوب بعض أهل العلم بالشعر .

            قال ابن إسحاق : وقالت صفية بنت مسافر أيضا :


            ألا يا من لعين للت     بكي دمعها فان
            كغربي دالج يسقى     خلال الغيث الدان
            وما ليث غريف ذو     أظافير وأسنان
            وأبو شبلين وثاب     شديد البطش غرثان
            كحبي إذ تولى و     القوم ألوان
            وبالكف حسام صا     رم أبيض ذكران
            وأنت الطاعن النجلا     ء منها مزبد آن



            قال ابن هشام : ويرون قولها : وما ليث غريف إلى آخرها ، مفصولا من البيتين اللذين قبله . [ شعر هند بنت أثاثة ]

            قال ابن إسحاق : وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب ترثي عبيدة بن الحارث بن المطلب :


            لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا     وحلما أصيلا وافر اللب والعقل
            عبيدة فابكيه لأضياف غربة     وأرملة تهوي لأشعث كالجذل
            وبكيه للأقوام في كل شتوة     إذا احمر آفاق السماء من المحل
            وبكيه للأيتام والريح زفزة     وتشبيب قدر طالما أزبدت تغلي
            فإن تصبح النيران قد مات ضوءها     فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل
            لطارق ليل أو لملتمس القرى     ومستنبح أضحى لديه على رسل



            قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لهند . [ شعر قتيلة بنت الحارث ]

            قال ابن إسحاق : وقالت قتيلة بنت الحارث ، أخت النضر بن الحارث ، تبكيه :


            يا راكبا إن الأثيل مظنة     من صبح خامسة وأنت موفق
            أبلغ بها ميتا بأن تحية     ما إن تزال بها النجائب تخفق
            مني إليك وعبرة مسفوحة     جادت بواكفها وأخرى تخنق
            هل يسمعني النضر إن ناديته     أم كيف يسمع ميت لا ينطق
            أمحمد يا خير ضنء كريمة     في قومها والفحل فحل معرق
            ما كان ضرك لو مننت وربما     من الفتى وهو المغيظ المحنق
            أو كنت قابل فدية فلينفقن     بأعز ما يغلو به ما ينفق
            فالنضر أقرب من أسرت قرابة     وأحقهم إن كان عتق يعتق
            ظلت سيوف بني أبيه تنوشه     لله أرحام هناك تشقق
            صبرا يقاد إلى المنية متعبا     رسف المقيد وهو عان موثق



            قال ابن هشام : فيقال ، والله أعلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر ، قال : لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه

            التالي السابق


            الخدمات العلمية