الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ انخذال المنافقين ]

            قال ابن إسحاق : حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد ، انخزل عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب ، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام ، أخو بني سلمة ، يقول : يا قوم ، أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ؛ فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال . قال : فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم ، قال : أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيه .

            وأنزل الله تعالى فيهم : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب [آل عمران 179 ] قال مجاهد : «ميزهم يوم أحد » وهم المرادون بقوله تعالى : وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون [آل عمران 167 ] .

            وذكر عروة وموسى بن عقبة : أن بني سلمة - بكسر اللام - وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي سقط في أيديهما ، وهما أن يقتتلا فثبتهما الله تعالى ، ولهذا قال تعالى : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما [آل عمران 122 ] .

            وروى سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والشيخان ، والبيهقي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : فينا نزلت ، في بني حارثة وبني سلمة : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله تعالى : والله وليهما .

            وروى ابن جرير عن السدي في الآية قال : هم بنو سلمة وبنو حارثة هموا بالرجوع ، حين رجع عبد الله بن أبي فعصمهم الله .

            وروى الشيخان عن زيد بن ثابت ، وابن إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قالا : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد خرج معه بأناس ، فرجعوا ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين ، فقالت فرقة : نقتلهم ، وقالت فرقة : لا نقتلهم ، فأنزل الله تعالى : فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا [النساء 88 ] ردهم إلى كفرهم بما كسبوا بأعمالهم. فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأحد في سبعمائة .

            قال البيهقي : هذا هو المشهور عند أهل المغازي ; أنهم بقوا في سبعمائة مقاتل . قال : والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل ، كذلك رواه يعقوب بن سفيان ، عن أصبغ ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري . وقيل عنه بهذا الإسناد : سبعمائة . فالله أعلم . [ ما كان من مربع حين سلك المسلمون حائطه ]

            قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : من رجل يخرج بنا على القوم من كثب : أي من قرب ، من طريق لا يمر بنا عليهم ؟ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث : أنا يا رسول الله ، فنفذ به في حرة بني حارثة ، وبين أموالهم ، حتى سلك في مال لمربع بن قيظي ، وكان رجلا منافقا ضرير البصر ، فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين ، قام يحثي في وجوههم التراب ، ويقول : إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي .

            وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك . فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتلوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر وقد بدر إليه سعد بن زيد ، أخو بني عبد الأشهل ، قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، فضربه بالقوس في رأسه ، فشجه . فائدة قال ابن القيم: من الأحكام جواز سلوك الإمام بالعسكر في بعض أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقه ، وإن لم يرض المالك . [ أمر الحارث بن سويد ]

            قال ابن إسحاق : وكان الحارث بن سويد بن صامت منافقا ، فخرج يوم أحد مع المسلمين ، فلما التقى الناس ، عدا على المجذر بن ذياد البلوي ، وقيس بن زيد ، أحد بني ضبيعة ، فقتلهما ، ثم لحق بمكة بقريش ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ، ففاته ، فكان بمكة ؛ ثم بعث إلى أخيه الجلاس بن سويد يطلب التوبة ، ليرجع إلى قومه . فأنزل الله تعالى فيه ، فيما بلغني ، عن ابن عباس : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين إلى آخر القصة . ترك الاستعانة باليهود قال ابن هشام : وذكر غير زياد ، عن محمد بن إسحاق عن الزهري : أن الأنصار يوم أحد ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود ؟ فقال : لا حاجة لنا فيهم

            التالي السابق


            الخدمات العلمية