الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر بعض ما قيل في هذه الغزوة من الشعر في بني النضير

            قال كعب بن مالك رضي الله عنه يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف :


            لقد خزيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدور     وذلك أنهم كفروا برب
            عزير أمره أمر كبير     وقد أوتوا معا فهما وعلما
            وجاءهم من الله النذير     نذير صادق أدى كتابا
            وآيات مبينة تنير     فقالوا : ما أتيت بأمر صدق
            وأنت بمنكر منا جدير     فقال : بلى ، لقد أديت حقا
            يصدقني به الفهم الخبير     فمن يتبعه يهد لكل رشد
            ومن يكفر به يجز الكفور     فلما أشربوا غدرا وكفرا
            وجد بهم عن الحق النفور     أرى الله النبي برأي صدق
            وكان الله يحكم لا يجور     فأيده وسلطه عليهم
            وكان نصيره نعم النصير     فغودر منهم كعب صريعا
            فزلت بعد مصرعه النضير     على الكفين ثم وقد علته
            بأيدينا مشهرة ذكور     بأمر محمد إذ دس ليلا
            إلى كعب أخا كعب يسير     فماكره فأنزله بمكر
            ومحمود أخو ثقة جسور     فتلك بنو النضير بدار سوء
            أبارهم بما اجترموا المبير     غداة أتاهم في الزحف رهوا
            رسول الله وهو بهم بصير     وغسان الحماة مؤازروه
            على الأعداء وهو لهم وزير     وقال : السلم ويحكم فصدوا
            وحالف أمرهم كذب وزور     فذاقوا غب أمرهم وبالا
            لكل ثلاثة منهم بعير     وأجلوا عامدين لقينقاع
            وغودر منهم نخل ودور

            [ شعر سماك في الرد على كعب ]

            فأجابه سماك اليهودي ، فقال :


            أرقت وضافني هم كبير     بليل غيره ليل قصير
            أرى الأحبار تنكره جميعا     وكلهم له علم خبير
            وكانوا الدارسين لكل علم     به التوراة تنطق والزبور
            قتلتم سيد الأحبار كعبا     وقدما كان يأمن من يجير
            تدلى نحو محمود أخيه     ومحمود سريرته الفجور
            فغادره كأن دما نجيعا     يسيل على مدارعه عبير
            فقد وأبيكم وأبي جميعا     أصيبت إذ أصيب به النضير
            فإن نسلم لكم نترك رجالا     بكعب حولهم طير تدور
            كأنهم عتائر يوم عيد     تذبح وهي ليس لها نكير
            ببيض لا تليق لهن عظما     صوافي الحد أكثرها ذكور
            كما لاقيتم من بأس صخر     بأحد حيث ليس لكم نصير

            قال ابن إسحاق : وقال علي بن أبي طالب : يذكر إجلاء بني النضير ، وقتل كعب بن الأشرف .

            قال ابن هشام : قالها رجل من المسلمين غير علي بن أبي طالب ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ، ولم أر أحدا منهم يعرفها لعلي :


            عرفت ومن يعتدل يعرف     وأيقنت حقا ولم أصدف
            عن الكلم المحكم اللاء من     لدى الله ذي الرأفة الأرأف
            رسائل تدرس في المؤمنين     بهن اصطفى أحمد المصطفى
            فأصبح أحمد فينا عزيزا     عزيز المقامة والموقف
            فيأيها الموعدوه سفاها     ولم يأت جورا ولم يعنف
            ألستم تخافون أدنى العذاب     وما آمن الله كالأخوف
            وأن تصرعوا تحت أسيافه     كمصرع كعب أبي الأشرف
            غداة رأى الله طغيانه     وأعرض كالجمل الأجنف
            فأنزل جبريل في قتله     بوحي إلى عبده ملطف
            فدس الرسول رسولا له     بأبيض ذي هبة مرهف
            فباتت عيون له معولات     متى ينع كعب لها تذرف
            وقلن لأحمد ذرنا قليلا     فإنا من النوح لم نشتف
            فخلاهم ثم قال اظعنوا     دحورا على رغم الآنف
            وأجلى النضير إلى غربة     وكانوا بدار ذوي زخرف
            إلى أذرعات ردافى وهم     على كل ذي دبر أعجف



            فأجابه سماك اليهودي ، فقال :


            إن تفخروا فهو فخر لكم     بمقتل كعب أبي الأشرف
            غداة غدوتم على حتفه     ولم يأت غدرا ولم يخلف
            فعل الليالي وصرف الدهور     يديل من العادل المنصف
            بقتل النضير وأحلافها     وعقر النخيل ولم تقطف
            فإن لا أمت نأتكم بالقنا     وكل حسام معا مرهف
            بكف كمى به يحتمي     متى يلق قرنا له يتلف
            مع القوم صخر وأشياعه     إذا غاور القوم لم يضعف
            كليث بترج حمى غيله     أخي غابة هاصر أجوف

            وكان مما قيل في بني النضير من الشعر قول ابن لقيم العبسي ، ويقال : قاله قيس بن بحر بن طريف .

            قال ابن هشام : قيس بن بحر الأشجعي - فقال :


            أهلي فداء لامرئ غير هالك     أحل اليهود بالحسي المزنم
            يقيلون في جمر الغضاة وبدلوا     أهيضب عودى بالودي المكمم
            فإن يك ظني صادقا بمحمد     تروا خيله بين الصلا ويرمرم
            يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم     عدو وما حي صديق كمجرم
            عليهن أبطال مساعير في الوغى     يهزون أطراف الوشيج المقوم
            وكل رقيق الشفرتين مهند     توورثن من أزمان عاد وجرهم
            فمن مبلغ عني قريشا رسالة     فهل بعدهم في المجد من متكرم
            بأن أخاكم فاعلمن محمدا     تليد الندى بين الحجون وزمزم
            فدينوا له بالحق تجسم أموركم     وتسموا من الدنيا إلى كل معظم
            نبي تلاقته من الله رحمة     ولا تسألوه أمر غيب مرجم
            فقد كان في بدر لعمري عبرة     إليكم يا قريشا والقليب الملمم
            غداة أتى في الخزرجية عامدا     إليكم مطيعا للعظيم المكرم
            معانا بروح القدس ينكى عدوه     رسولا من الرحمن حقا بمعلم
            رسولا من الرحمن يتلو كتابه     فلما أنار الحق لم يتلعثم
            أرى أمره يزداد في كل موطن     علوا لأمر حمه الله محكم



            [ شعر ابن مرداس في امتداح رجال بني النضير ]

            وقال عباس بن مرداس أخو بني سليم يمتدح رجال بني النضير :


            لو أن أهل الدار لم يتصدعوا     رأيت خلال الدار ملهى وملعبا
            فإنك عمري هل أريك ظعائنا     سلكن على ركن الشطاة فتيأبا
            عليهن عين من ظباء تبالة     أوانس يصبين الحليم المجربا
            إذا جاء باغي الخير قلن فجاءة     له بوجوه كالدنانير مرحبا
            وأهلا فلا ممنوع خير طلبته     ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنبا
            فلا تحسبني كنت مولى ابن مشكم     سلام ولا مولى حيي بن أخطبا

            [ شعر خوات في الرد على ابن مرداس ]

            فأجابه خوات بن جبير ، أخو بني عمرو بن عوف ، فقال :


            تبكي على قتلى يهود وقد ترى     من الشجو لو تبكي أحب وأقربا
            فهلا على قتلى ببطن أرينق     بكيت ولم تعول من الشجو مسهبا
            إذا السلم دارت في صديق رددتها     وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا
            عمدت إلى قدر لقومك تبتغي     لهم شبها كيما تعز وتغلبا
            فإنك لما أن كلفت تمدحا     لمن كان عيبا مدحه وتكذبا
            رحلت بأمر كنت أهلا لمثله     ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا
            فهلا إلى قوم ملوك مدحتهم     تبنوا من العز المؤثل منصبا
            إلى معشر صاروا ملوكا وكرموا     ولم يلف فيهم طالب العرف مجدبا
            أولئك أحرى من يهود بمدحة     تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا



            [ شعر ابن مرداس في الرد على خوات ]

            فأجابه عباس بن مرداس السلمي ، فقال :


            هجوت صريح الكاهنين وفيكم     لهم نعم كانت من الدهر ترتبا
            أولئك أحرى لو بكيت عليهم     وقومك لو أدوا من الحق موجبا
            من الشكر إن الشكر خير مغبة     وأوفق فعلا للذي كان أصوبا
            فكنت كمن أمسى يقطع رأسه     ليبلغ عزا كان فيه مركبا
            فبك بني هارون واذكر فعالهم     وقتلهم للجوع إذ كنت مجدبا
            أخوات أذر الدمع بالدمع وابكهم     وأعرض عن المكروه منهم ونكبا
            فإنك لو لاقيتهم في ديارهم     لألفيت عما قد تقول منكبا
            سراع إلى العليا كرام لدى الوغى     يقال لباغي الخير أهلا ومرحبا

            [ شعر لكعب أو ابن رواحة في الرد على ابن مرداس ]

            فأجابه كعب بن مالك ، أو عبد الله بن رواحة ، فيما قال ابن هشام ، فقال .


            لعمري لقد حكت رحى الحرب بعدما     أطارت لؤيا قبل شرقا ومغربا
            بقية آل الكاهنين وعزها     فعاد ذليلا بعد ما كان أغلبا
            فطاح سلام وابن سعية عنوة     وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا
            وأجلب يبغي العز والذل يبتغي     خلاف يديه ما جنى حين أجلبا
            كتارك سهل الأرض والحزن همه     وقد كان ذا في الناس أكدى وأصعبا
            وشأس وعزال وقد صليا بها     وما غيبا عن ذاك فيمن تغيبا
            وعوف بن سلمى وابن عوف كلاهما     وكعب رئيس القوم حان وخيبا
            فبعدا وسحقا للنضير ومثلها     إن أعقب فتح أو إن الله أعقبا



            قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير بني المصطلق .

            شعر حسان بن ثابت وأبو سفيان بن الحارث

            وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع ، وهي البويرة ، ولها يقول حسان بن ثابت :


            وهان على سراة بني لؤي     حريق بالبويرة مستطير

            فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول :


            أدام الله ذلك من صنيع     وحرق في نواحيها السعير
            ستعلم أينا منها بنزه     وتعلم أي أرضينا تضير

            التالي السابق


            الخدمات العلمية