الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر الآيات التي وقعت لما أصابتهم المجاعة في حفر الخندق

            روى الشيخان ، ومحمد بن عمر ، والحاكم ، والبيهقي عن جابر بن عبد الله ، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهم : أن جابرا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عاصبا بطنه بحجر من الجوع وأنهم لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا . قال جابر : فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنزل فأذن لي ، فذهبت فقلت لامرأتي : أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا ، ما في ذلك صبر ، فعندك شيء ؟

            قالت : عندي صاع من شعير وعناق ، فأخرجت إناء فيه صاع من شعير ، وذبحت العناق ، وطحنت الشعير ، وجعلنا اللحم في البرمة ، فلما انكسر العجين وكادت البرمة أن تنضج وأمسينا ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف- قال : وكنا نعمل نهارا ، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا- قالت لي : لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت : طعيم لي ، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان . فشبك أصابعه في أصابعي وقال :

            كم هو ؟ فذكرت له ، فقال : كثير طيب لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء ، وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سورا فحي ، هلا بكم» ، وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس ، ولقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى ، وقلت :

            جاء الخلق ، والله إنها للفضيحة على صاع من شعير وعناق ، فدخلت على امرأتي فقلت :

            ويحك ! جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم ، فقالت : بك وبك ، وفي رواية : هل سألك ؟ قلت : نعم . وفي رواية : قالت : أنت دعوتهم أو هو ؟ قلت : بل هو دعاهم . قالت : دعهم ، الله ورسوله أعلم ، نحن قد أخبرناه بما عندنا . فكشفت عني . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :

            «ادخلوا عشرة عشرة ، ولا تضاغطوا» ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ، فقال لنا : «اخبزوا واغرفوا وغطوا البرمة ، ثم أخرجوا الخبز من التنور ، وغطوا الخبز» ، ففعلنا ، فجعلنا نغرف ويغطي البرمة ، ثم يفتحها فما نراها نقصت شيئا ، ويخرج الخبز من التنور ، ثم يغطيه فما نراه نقص شيئا ، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ، ويقرب إلى أصحابه ويقول لهم : «كلوا» . فإذا شبع قوم قاموا ، ثم دعا غيرهم حتى أكلوا وهم ألف ، وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو ، فقال : «كلوا واهدوا ، فإن الناس أصابتهم مجاعة شديدة» . فلم نزل نأكل ونهدي يومنا ذلك أجمع ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك
            . [ البركة في طعام جابر ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن مينا ، عن جابر بن عبد الله ، قال : عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق ، فكانت عندي شويهة ، غير جد سمينة . قال : فقلت : والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : فأمرت امرأتي ، فطحنت لنا شيئا من شعير ، فصنعت لنا منه خبزا ، وذبحت تلك الشاة ، فشويناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

            قال : فلما أمسينا وأراد رسول الله الانصراف عن الخندق - قال : وكنا نعمل فيه نهارنا ، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا - قال : قلت : يا رسول الله ، إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا ، وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير ، فأحب أن تنصرف معي إلى منزلي ، وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده .

            قال : فلما أن قلت له ذلك ؟ قال : نعم ، ثم أمر صارخا فصرخ : أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبد الله ؛ قال : قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون قال : فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل الناس معه ، قال : فجلس وأخرجناها إليه .

            قال : فبرك وسمى ( الله ) ، ثم أكل ، وتواردها الناس ، كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس ، حتى صدر أهل الخندق عنها
            .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية