الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ موقف الرسول من أبي لبابة ]

            قال ابن إسحاق : فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبره ، وكان قد استبطأه ، قال : أما إنه لو جاءني لاستغفرت له ، فأما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه .

            قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط : أن توبة أبى لبابة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السحر ، وهو في بيت أم سلمة . ( فقالت أم سلمة ) : فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السحر وهو يضحك . قالت : فقلت : مم تضحك يا رسول الله ؟ أضحك الله سنك ؛ قال : تيب على أبي لبابة ، قالت : قلت : أفلا أبشره يا رسول الله ؟ قال : بلى ، إن شئت قال : فقامت على باب حجرتها ، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب ، فقالت : يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك . قالت : فثار الناس إليه ليطلقوه فقال : لا والله حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يطلقني بيده ؛ فلما مر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه . ما نزل في التوبة على أبي لبابة يوم قريظة قال أبو لبابة : فكنت في أمر عظيم ، في حر شديد عدة ليال لا آكل فيهن ولا أشرب ، وقلت : لا أزال هكذا حتى أفارق الدنيا ، أو يتوب الله علي . وأذكر رؤيا رأيتها في النوم ونحن محاصرون بني قريظة . كأني في حمأة آسنة ، فلم أخرج منها حتى كدت أموت من ريحها ، ثم أرى نهرا جاريا فأراني اغتسلت فيه حتى استنقيت وأراني أجد ريحا طيبة فاستعبرتها أبا بكر فقال : لتدخلن في أمر تغتم له ، ثم يفرج عندئذ ، فكنت أذكر قول أبي بكر وأنا مرتبط ، فأرجو أن ينزل الله تعالى - توبتي . قال : فلم أزل كذلك حتى ما أسمع الصوت من الجهد - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلي .

            قال ابن هشام : أقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلي ثم يرتبط .

            وعن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض والربوض الثقيلة - بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع ، ويكاد يذهب بصره . وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجته فإذا فرغ أعادت الرباط . والظاهر أن زوجته كانت تباشر حله مرة وابنته مرة .

            وأنزل الله تعالى - في توبة أبي لبابة وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم [التوبة 102] قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط : إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم من السحر وهو في بيت أم سلمة ،

            قالت أم سلمة : فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك ، قالت : فقلت : يا رسول الله مم تضحك ؟ أضحك الله سنك ، قال : «تيب على أبي لبابة » قالت : فقلت أفلا أبشره يا رسول الله ؟ قال : بلى إن شئت»

            قال :

            فقامت على باب حجرتها - وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب - فقالت : يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك قالت : فسار الناس إليه ليطلقوه ، فقال : لا والله حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يطلقني بيده . فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه .
            قال السهيلي

            وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين - رضوان الله عليهم أجمعين - قال : إن فاطمة - رضي الله عنها . جاءت تحله فقال إني حلفت ألا يحلني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : «إن فاطمة بضعة مني»

            قال أبو لبابة : يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله . قال : «يجزئك الثلث يا أبا لبابة»

            التالي السابق


            الخدمات العلمية