الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عن سهيل بن حنيف أن عثمان لما قدم من مكة هو ومن معه رجع سهيل بن عمرو وحويطب ومكرز إلى قريش فأخبروهم بما رأوا من سرعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتد رعبهم ، فقال أهل الرأي منهم : ليس خير من أن نصالح محمدا على أن ينصرف عنا عامه هذا ، ولا يخلص إلى البيت حتى يسمع من سمع بمسيره من العرب أنا قد صددناه ، ويرجع قابلا فيقيم ثلاثا وينحر هديه وينصرف ، ويقيم ببلدنا ولا يدخل علينا ، فأجمعوا على ذلك . فلما أجمعت قريش على الصلح والموادعة بعثوا سهيل بن عمرو وحويطبا ومكرزا وقالوا لسهيل : ائت محمدا فصالحه وليكن في صلحك ألا يدخل عامه هذا ، فو الله لا تحدث العرب أنه دخل علينا عنوة فأتى سهيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

            فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا» وفي لفظ : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «سهل أمركم»

            وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متربعا ، وكان عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش على رأسه - وهما مقنعان في الحديد - فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطال الكلام وتراجعا ، وارتفعت الأصوات وانخفضت ، وقال عباد بن بشر لسهيل : اخفض من صوتك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوس ، فجرى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين ، وأن يأمن الناس بعضهم بعضا ، وأن يرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامه هذا ، فإذا كان العام المقبل قدمها فخلوا بينه وبين مكة ، فأقام فيها ثلاثا فلا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب لا يدخلها بغيره ، وأنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه - وإن كان على دين محمد - رده إلى وليه ، وأنه من أتى قريشا ممن اتبع محمدا لم يردوه عليه ، وأن بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل ، فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية