nindex.php?page=treesubj&link=30842_33988أمر الحجاج بن علاط السلمي
[ حيلته في جمع ماله من مكة ] روى الإمام أحمد عن أنس - رضي الله عنه - والبيهقي عن ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : كان الحجاج بن علاط بكسر العين المهملة ، وتخفيف اللام ، السلمي بضم السين ، خرج يغير في بعض غاراته ، فذكر له أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر ، فأسلم ، وحضر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت أم شيبة ابنة عمير بن هاشم - أخت مصعب بن عمير العبدري - امرأته ،
وكان الحجاج مكثرا ، له مال كثير ، وله معادن الذهب التي بأرض بني سليم - بضم السين ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي ، فأذهب فآخذ مالي عند امرأتي ، فإن علمت بإسلامي لم آخذ منه شيئا ، ومال لي متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول
الله ، إنه لا بد لي من أن أقول ، قال «قل»
قال الحجاج : فخرجت فلما انتهيت إلى الحرم ، هبطت فوجدتهم بالثنية البيضاء ، وإذا بها رجال من قريش يتسمعون الأخبار قد بلغهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سار إلى خيبر ، وعرفوا أنها قرية الحجاز أنفة ومنعة وريفا ورجالا وسلاحا ، فهم يتحسبون الأخبار ، مع ما كان بينهم من الرهان ، فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط عنده - والله - الخبر - ولم يكونوا علموا بإسلامي - يا حجاج ، إنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر بلد يهود ، وريف الحجاز ، فقلت : بلغني أنه قد سار إليها وعندي من الخبر ما يسركم فالتبطوا بجانبي راحلتي ، يقولون : إيه يا حجاج ؟ ! فقلت : لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتال غير أهل خيابر ، كانوا قد ساروا في العرب يجمعون له الجموع ، وجمعوا له عشرة آلاف فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط ، وأسر محمد أسرا ، فقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فنقتله بين أظهرهم بمن قتل منا ومنهم ، ولهذا فإنهم يرجعون إليكم يطلبون الأمان في عشائرهم ، ويرجعون إلى ما كانوا عليه ، فلا تقبلوا منهم ، وقد صنعوا بكم ما صنعوا ، قال : فصاحوا بمكة ، وقالوا : قد جاءكم الخبر ، هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم ، وقلت : أعينوني على جمع مالي على غرمائي فإني أريد أن أقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه ، قبل أن تسبقني التجار إلى ما هناك ، فقاموا فجمعوا إلي مالي كأحث جمع سمعت به ، وجئت صاحبتي فقلت لها : مالي ، لعلي ألحق بخيبر فأصيب من البيع قبل أن يسبقني التجار .
وفشا ذلك بمكة ، وأظهر المشركون الفرح والسرور ، وانكسر من كان بمكة من المسلمين. [
nindex.php?page=treesubj&link=30842_33988العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشا ] وسمع بذلك العباس بن عبد المطلب ، فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فأشفق أن يدخل داره فيؤذى وعلم أنه يؤذى عند ذلك فأمر بباب داره أن يفتح وهو مستلق فدعا بقثم ، فجعل يرتجز ويرفع صوته لئلا يشمت به الأعداء ، وهو يقول :
حي قثم حي قثم
شبيه ذي الأنف الأشم
نبي ذي النعم
يرغم من رغم
وحضر باب العباس بين مغيظ ومحزون ، وبين شامت ، وبين مسلم ومسلمة مقهورين بظهور الكفر ، والبغي ، فلما رأى المسلمون العباس طيبة نفسه ، طابت أنفسهم ، واشتدت منتهم ، فدعا غلاما له يقال له أبو زبيبة ، بلفظ واحدة زبيب العنب ، ولم أجد له ذكرا في الإصابة ، فقال : اذهب إلى الحجاج فقل له : يقول لك العباس : الله أعلى وأجل من أن يكون الذي جئت به حقا ، فقال له الحجاج : اقرأ على أبي الفضل السلام ، وقل له : ليخل لي في بعض بيوته ، لآتيه بالخبر على ما يسره ، واكتم عني ، وأقبل أبو زبيبة يبشر العباس ، فقال : أبشر يا أبا الفضل ، فوثب العباس فرحا كأن لم يمسه شيء ، ودخل عليه أبو زبيبة ، واعتنقه العباس ، وأعتقه ، وأخبره بالذي قاله .
فقال العباس : لله علي عتق عشر رقاب ، فلما كان ظهرا ، جاءه الحجاج ، فناشده الله :
لتكتمن على ثلاثة أيام ، ويقال : يوما وليلة ، فوافقه العباس على ذلك ، فقال : إني قد أسلمت ، ولي مال عند امرأتي ، ودين على الناس ، ولو علموا بإسلامي لم يدفعوه إلي وتركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد فتح خيبر ، وجرت سهام الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها وانتشل ما فيها ، وتركته عروسا بابنة مليكهم حيي بن أخطب ، وقتل ابن أبي الحقيق فلما أمسى الحجاج من يومه خرج وطالت على العباس تلك الليالي ، ويقال : إنما انتظره العباس يوما وليلة ، فلما كان بعد ثلاث ، والناس يموجون في شأن ما تبايعوا عليه ، عمد العباس إلى حلة فلبسها ، وتخلق بخلوق ، وأخذ بيده قضيبا ، ثم أقبل يخطر ، حتى وقف على باب الحجاج بن علاط فقرعه ، فقالت زوجته : ألا تدخل يا أبا الفضل ؟ قال : فأين زوجك ؟ قالت : ذهب يوم كذا وكذا ، وقالت : لا يحزنك الله يا أبا الفضل ، لقد شق علينا الذي بلغك ، قال : أجل ، لا يحزنني الله ، لم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا ، فتح الله على رسوله خيبر ، وجرت فيها سهام الله ورسوله ، واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية لنفسه ، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به ، قالت : أظنك والله صادقا .
ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش وهم يقولون إذا مر بهم : لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل!! هذا والله التجلد لحر المصيبة ، قال : كلا والله الذي حلفتم به ، لم يصبني إلا خير بحمد الله ، أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله ، وجرى فيها سهام الله وسهام رسوله ، فرد الله - تعالى - الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين ، وخرج المسلمون من كان دخل في بيته مكتئبا حتى أتوا العباس فأخبرهم الخبر ، فسر المسلمون .
وقال المشركون [يا لعباد الله] انفلت عدو الله ، - يعني الحجاج أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ، ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك . وفيه : جواز
nindex.php?page=treesubj&link=18997كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت المسلمين من ذلك الكذب ، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ، ولا سيما تكميل الفرح والسرور وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب ، فكان الكذب سببا في حصول هذه المصلحة الراجحة ، ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ؛ ليتوصل بذلك إلى استعلام الحق ، كما (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002085أوهم سليمان بن داود إحدى المرأتين بشق الولد نصفين حتى توصل بذلك إلى معرفة عين الأم )
nindex.php?page=treesubj&link=30842_33988أَمْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السُّلَمِيِّ
[ حِيلَتُهُ فِي جَمْعِ مَالِهِ مِنْ مَكَّةَ ] رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ شُيُوخِهِ ، قَالُوا : كَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ، وَتَخْفِيفِ اللَّامِ ، السُّلَمِيُّ بِضَمِّ السِّينِ ، خَرَجَ يُغِيرُ فِي بَعْضِ غَارَاتِهِ ، فَذُكِرَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ ، فَأَسْلَمَ ، وَحَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ أُمُّ شَيْبَةَ ابْنَةُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ - أُخْتُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيِّ - امْرَأَتَهُ ،
وَكَانَ الْحَجَّاجُ مُكْثِرًا ، لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ ، وَلَهُ مَعَادِنُ الذَّهَبِ الَّتِي بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ - بِضَمِّ السِّينِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي ، فَأَذْهَبُ فَآخُذُ مَالِي عِنْدَ امْرَأَتِي ، فَإِنْ عَلِمَتْ بِإِسْلَامِي لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ، وَمَالٌ لِي مُتَفَرِّقٌ فِي تُجَّارِ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، إِنَّهُ لَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أَقُولَ ، قَالَ «قُلْ»
قَالَ الْحَجَّاجُ : فَخَرَجْتُ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْحَرَمِ ، هَبَطْتُ فَوَجَدْتُهُمْ بِالثَّنِيَّةِ الْبَيْضَاءِ ، وَإِذَا بِهَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمَّعُونَ الْأَخْبَارَ قَدْ بَلَغَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ ، وَعَرَفُوا أَنَّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ أَنَفَةً وَمَنَعَةً وَرِيفًا وَرِجَالًا وَسِلَاحًا ، فَهُمْ يَتَحَسَّبُونَ الْأَخْبَارَ ، مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الرِّهَانِ ، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا : الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ عِنْدَهُ - وَاللَّهِ - الْخَبَرُ - وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي - يَا حَجَّاجُ ، إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ بَلَدِ يَهُودَ ، وَرِيفِ الْحِجَازِ ، فَقُلْتُ : بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ سَارَ إِلَيْهَا وَعِنْدِي مِنَ الْخَبَرِ مَا يَسُرُّكُمْ فَالْتَبِطُوا بِجَانِبَيْ رَاحِلَتِي ، يَقُولُونَ : إِيهِ يَا حَجَّاجُ ؟ ! فَقُلْتُ : لَمْ يَلْقَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ غَيْرَ أَهْلِ خَيَابِرَ ، كَانُوا قَدْ سَارُوا فِي الْعَرَبِ يَجْمَعُونَ لَهُ الْجُمُوعَ ، وَجَمَعُوا لَهُ عَشَرَةَ آلَافٍ فَهُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا قَطُّ ، وَأَسَرَ مُحَمَّدٌ أُسَرًا ، فَقَالُوا : لَا نَقْتُلُهُ حَتَّى نَبْعَثَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ فَنَقْتُلُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ قَتَلَ مِنَّا وَمِنْهُمْ ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْكُمْ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ فِي عَشَائِرِهِمْ ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ ، وَقَدْ صَنَعُوا بِكُمْ مَا صَنَعُوا ، قَالَ : فَصَاحُوا بِمَكَّةَ ، وَقَالُوا : قَدْ جَاءَكُمُ الْخَبَرُ ، هَذَا مُحَمَّدٌ إِنَّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فَيُقْتَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، وَقُلْتُ : أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي عَلَى غُرَمَائِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدَمَ فَأُصِيبَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، قَبْلَ أَنْ تَسْبِقَنِي التُّجَّارُ إِلَى مَا هُنَاكَ ، فَقَامُوا فَجَمَعُوا إِلَيَّ مَالِي كَأَحَثِّ جَمْعٍ سَمِعْتُ بِهِ ، وَجِئْتُ صَاحِبَتِي فَقُلْتُ لَهَا : مَالِي ، لَعَلِّي أَلْحَقُ بِخَيْبَرَ فَأُصِيبُ مِنَ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التُّجَّارُ .
وَفَشَا ذَلِكَ بِمَكَّةَ ، وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ ، وَانْكَسَرَ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. [
nindex.php?page=treesubj&link=30842_33988الْعَبَّاسُ يَسْتَوْثِقُ مِنْ خَبَرِ الْحَجَّاجِ وَيُفَاجِئُ قُرَيْشًا ] وَسَمِعَ بِذَلِكَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَعَدَ وَجَعَلَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ فَأَشْفَقَ أَنْ يَدْخُلَ دَارَهُ فَيُؤْذَى وَعَلِمَ أَنَّهُ يُؤْذَى عِنْدَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِبَابِ دَارِهِ أَنْ يُفْتَحَ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ فَدَعَا بِقُثَمَ ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ لِئَلَّا يَشْمَتَ بِهِ الْأَعْدَاءُ ، وَهُوَ يَقُولُ :
حَيَّ قُثَمْ حَيَّ قُثَمْ
شَبِيهُ ذِي الْأَنْفِ الْأَشَمْ
نَبِيِّ ذِي النِّعَمْ
يُرْغِمُ مَنْ رَغِمْ
وَحَضَرَ بَابَ الْعَبَّاسِ بَيْنَ مُغِيظٍ وَمَحْزُونٍ ، وَبَيْنَ شَامِتٍ ، وَبَيْنَ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ مَقْهُورِينَ بِظُهُورِ الْكُفْرِ ، وَالْبَغْيِ ، فَلَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ الْعَبَّاسَ طَيِّبَةً نَفْسَهُ ، طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ ، وَاشْتَدَّتْ مِنَّتُهُمْ ، فَدَعَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ أَبُو زَبِيبَةَ ، بِلَفْظِ وَاحِدَةِ زَبِيبِ الْعِنَبِ ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِي الْإِصَابَةِ ، فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى الْحَجَّاجِ فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ الْعَبَّاسُ : اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ حَقًّا ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : اقْرَأْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السَّلَامَ ، وَقُلْ لَهُ : لِيُخَلِّ لِي فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ ، لِآتِيَهُ بِالْخَبَرِ عَلَى مَا يَسُرُّهُ ، وَاكْتُمْ عَنِّي ، وَأَقْبَلَ أَبُو زَبِيبَةَ يُبَشِّرُ الْعَبَّاسَ ، فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا أَبَا الْفَضْلِ ، فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ فَرَحًا كَأَنْ لَمْ يَمَسَّهُ شَيْءٌ ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو زَبِيبَةَ ، وَاعْتَنَقَهُ الْعَبَّاسُ ، وَأَعْتَقَهُ ، وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَهُ .
فَقَالَ الْعَبَّاسُ : لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَشْرِ رِقَابٍ ، فَلَمَّا كَانَ ظُهْرًا ، جَاءَهُ الْحَجَّاجُ ، فَنَاشَدَهُ اللَّهُ :
لَتَكْتُمُنَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَيُقَالُ : يَوْمًا وَلَيْلَةً ، فَوَافَقَهُ الْعَبَّاسُ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ ، وَلِي مَالٌ عِنْدَ امْرَأَتِي ، وَدَيْنٌ عَلَى النَّاسِ ، وَلَوْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِي لَمْ يَدْفَعُوهُ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا وَانْتَشَلَ مَا فِيهَا ، وَتَرَكْتُهُ عَرُوسًا بِابْنَةِ مَلِيكِهِمْ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَقَتَلَ ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ فَلَمَّا أَمْسَى الْحَجَّاجُ مِنْ يَوْمِهِ خَرَجَ وَطَالَتْ عَلَى الْعَبَّاسِ تِلْكَ اللَّيَالِي ، وَيُقَالُ : إِنَّمَا انْتَظَرَهُ الْعَبَّاسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، وَالنَّاسُ يَمُوجُونَ فِي شَأْنِ مَا تَبَايَعُوا عَلَيْهِ ، عَمِدَ الْعَبَّاسُ إِلَى حُلَّةٍ فَلَبِسَهَا ، وَتَخَلَّقَ بِخَلُوقٍ ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ قَضِيبًا ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَخْطِرُ ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ فَقَرَعَهُ ، فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ : أَلَا تَدْخُلُ يَا أَبَا الْفَضْلِ ؟ قَالَ : فَأَيْنَ زَوْجُكِ ؟ قَالَتْ : ذَهَبَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَتْ : لَا يَحْزُنُكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنَا الَّذِي بَلَغَكَ ، قَالَ : أَجَلْ ، لَا يَحْزُنُنِي اللَّهُ ، لَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللَّهِ إِلَّا مَا أَحْبَبْنَا ، فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ خَيْبَرَ ، وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فِي زَوْجُكِ فَالْحَقِي بِهِ ، قَالَتْ : أَظُنُّكَ وَاللَّهِ صَادِقًا .
ثُمَّ ذَهَبَ حَتَّى أَتَى مَجْلِسَ قُرَيْشٍ وَهُمْ يَقُولُونَ إِذَا مَرَّ بِهِمْ : لَا يُصِيبُكَ إِلَّا خَيْرٌ يَا أَبَا الْفَضْلِ!! هَذَا وَاللَّهِ التَّجَلُّدُ لِحَرِّ الْمُصِيبَةِ ، قَالَ : كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ ، لَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ بِحَمْدِ اللَّهِ ، أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ أَنَّ خَيْبَرَ فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ، وَجَرَى فِيهَا سِهَامُ اللَّهِ وَسِهَامُ رَسُولِهِ ، فَرَدَّ اللَّهُ - تَعَالَى - الْكَآبَةَ الَّتِي كَانَتْ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ كَانَ دَخَلَ فِي بَيْتِهِ مُكْتَئِبًا حَتَّى أَتَوُا الْعَبَّاسَ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ ، فَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ .
وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ [يَا لَعِبَادِ اللَّهِ] انْفَلَتَ عَدُوُّ اللَّهِ ، - يَعْنِي الْحَجَّاجَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ ، وَلِمَ يَنْشَبُوا أَنْ جَاءَهُمُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ . وَفيه : جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=18997كَذِبِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرَ ذَلِكَ الْغَيْرِ إِذَا كَانَ يَتَوَصَّلُ بِالْكَذِبِ إِلَى حَقِّهِ ، كَمَا كَذَبَ الحجاج بن علاط عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ مِنْ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ لَحِقَتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ الْكَذِبِ ، وَأَمَّا مَا نَالَ مَنْ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَذَى وَالْحُزْنِ فَمَفْسَدَةٌ يَسِيرَةٌ فِي جَنْبِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِالْكَذِبِ ، وَلَا سِيَّمَا تَكْمِيلُ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَزِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي حَصَلَ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ بَعْدَ هَذَا الْكَذِبِ ، فَكَانَ الْكَذِبُ سَبَبًا فِي حُصُولِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ ، وَنَظِيرُ هَذَا الْإِمَامُ وَالْحَاكِمُ يُوهِمُ الْخَصْمَ خِلَافَ الْحَقِّ ؛ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى اسْتِعْلَامِ الْحَقِّ ، كَمَا (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002085أَوْهَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِشَقِّ الْوَلَدِ نِصْفَيْنِ حَتَّى تَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِ الْأُمِّ )