الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه ]

            روى مسلم ، وأبو داود عن أبي هريرة . وأبو داود عن ابن مسعود ، وابن إسحاق عن سعيد بن المسيب ، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا : انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وادي القرى راجعا بعد أن فرغ من خيبر ووادي القرى ، فلما كان قريبا من المدينة سرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلته حتى إذا كان قبيل الصبح بقليل نزل وعرس ، وقال : ألا رجل صالح حافظ لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال : يا رسول الله أنا أحفظه عليك ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقام بلال يصلي ما شاء الله أن يصلي . ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرقبه ، فغلبته عينه ، فنام ، فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس .

            وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول أصحابه هب ، فقال : «ما صنعت بنا يا بلال» ؟ قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، قال : «صدقت» ثم اقتاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيره غير كثير ، ثم أناخ وأناخ الناس فتوضأ ، وتوضأ الناس ، وأمر بلالا فأقام الصلاة ، فلما فرغ ، قال :

            إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله عز وجل يقول : وأقم الصلاة لذكري


            [طه 14] . ثم التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر فقال : " إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام " ، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأخبره بمثل ما أخبر به أبا بكر وفيه : أن ذلك كان مرجعهم من خيبر .

            وفي حديث شعبة ، عن جامع بن شداد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من الحديبية ، ففي رواية عنه أن بلالا هو الذي كان يكلؤهم . وفي رواية أنه هو الذي كان يكلؤهم .

            قال الحافظ البيهقي : فيحتمل أن ذلك كان مرتين . قال : وفي حديث عمران بن حصين وأبي قتادة نومهم عن الصلاة ، وفيه حديث الميضأة ، فيحتمل أن ذلك إحدى هاتين المرتين ، أو مرة ثالثة . قال : وذكر الواقدي في حديث أبي قتادة أن ذلك كان مرجعهم من غزوة تبوك . قال : وروى زافر بن سليمان ، عن شعبة ، عن جامع بن شداد ، عن عبد الرحمن ، عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من تبوك . فالله أعلم . وزعم الأصيلي - رحمه الله تعالى - أن حديث نومهم عن الصلاة إنما كان بحنين لا بخيبر ، وأن ذكر خيبر خطأ ، ورد عليه أبو الوليد الباجي ، وأبو عمر فأجادا . وفي فقه هذه القصة

            فيها : أن من نام عن صلاة أو نسيها ، فوقتها حين يستيقظ أو يذكرها .

            وفيها : أن السنن الرواتب تقضى كما تقضى الفرائض ، وقد قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة الفجر معها ، وقضى سنة الظهر وحدها ، وكان هديه - صلى الله عليه وسلم - قضاء السنن الرواتب مع الفرائض .

            وفيها : أن الفائتة يؤذن لها ويقام ، فإن في بعض طرق هذه القصة ، أنه أمر بلالا فنادى بالصلاة ، وفي بعضها فأمر بلالا فأذن وأقام ، ذكره أبو داود .

            وفيها : قضاء الفائتة جماعة .

            وفيها : قضاؤها على الفور لقوله : "فليصلها إذا ذكرها " ، وإنما أخرها عن مكان معرسهم قليلا ، لكونه مكانا فيه شيطان فارتحل منه إلى مكان خير منه ، وذلك لا يفوت المبادرة إلى القضاء ، فإنهم في شغل الصلاة وشأنها .

            وفيها : تنبيه على اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان ، كالحمام والحش بطريق الأولى ، فإن هذه منازله التي يأوي إليها ويسكنها ، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك المبادرة إلى الصلاة في ذلك الوادي ، وقال : إن به شيطانا ، فما الظن بمأوى الشيطان وبيته .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية