قال ابن إسحاق : فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ، ثم تقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بعض التردد ، ثم قال :
أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنه
مالي أراك تكرهين الجنه قد طال ما قد كنت مطمئنه
هل أنت إلا نطفة في شنه
وقال أيضا :
يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت
يريد صاحبيه : زيدا وجعفرا ؛ ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ثم انتهس منه نهسة ، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل .
قال: الحكم بن عبد السلام بن النعمان بن بشير:
أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل ، دعا الناس: يا عبد الله بن رواحة ، وهو في جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينهشه ولم يكن ذاق طعاما قبل ذلك بثلاث ، فرمى بالضلع ثم قال: وأنت مع الدنيا ، ثم تقدم فقاتل ، ثم أصيبت أصبعه ، فارتجز وجعل يقول :
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
يا نفس إن لم تقتلي تموتي هذي حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت إن تفعلي فعلها هديت
ثم قال: يا نفس أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة؟ فهي طالق [ثلاثا] ، وإلى فلان وفلان - عبيد له - فهم أحرار ، وإلى معجف - حائط له - فهي لله ورسوله ، ثم ارتجز وقال:
يا نفس ما لك تكرهين الجنه أقسمت بالله لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه قد طال ما قد كنت مطمئنه
هل أنت إلا نطفة في شنه قد أجلب الناس شدو الرنه